في كل صباح حينما تعود الروح للجسد من جديد، أنهض مفزوعاً متعرقاً و صوتُ أنفاسي يسبحُ في فراغ المكان، صوتاً يتوشحهُ الفزع ويعلوهُ الترقب.....
لا جديد يذكر هنا سوى أن الخوف زاد أكثر رغم الطمأنينه التي آنست وحشة خوفي وروضت شجني وسوء اعتقادي، لكن هيهات أن أقنع نفسي رغم هواجسها و ظلمةِ واقعها…
محملاً بكل أنواعِ الشكوك والظنون والخوف أخرجُ إليها، تستقبلني وهي تبتسمُ لي ابتسامةً صفراء خالية من أي رمزٍ حنون ثم تحتضنني وأنا منها خائف فأشعر بأظافرها التي تدببت رؤوسها واصفر لونها تنغرسُ في جسدي وكأنها تتعمدُ أن تذكرني برعونة طباعها و قسوتها رغم وجودي في حضنها....
لا أحبها لكني أتصنعُ احترامها و امتنان بقائها ، أكون بصحبتها مرتعد الفرائص، ما أصعبهُ من تمثيل أن تبتسم لمن تظنهُ يتربصك، و أن تجامل من تخافهُ وتحذره........
بُهرجها و زينتها تخدعني أحياناً ، فأميلُ أنساً لها رغم حذري منها لكنني أحاول تَقبُلها أو إن صح الكلام أوهمُ نفسي بأني أحبها، ربما حمرة شفايفها وكحل عينيها تخبئُ بعضاً من قباحتها فأتوهم ... لا بل أعلم لكنني أتجاهل .... لا بل أتصنع .... لا ... لا .... صدقاً لا أعرف وصف ما أقول، فيغوصُ رأسي في كتفها و أحيانا أشكو لها وأحدثها عن خوفي و ضعفي ، فأشعر بإزدياد نشوة انتصارها وسعادتها فتزيدُ من قوة احتضاني وأظافرها لما تزل تغرسُ أديم ظهري ......
سرعان ما أتذكر قباحتها رغم مكياجها الجميل فأدفعها بيدي محاولاً الإبتعاد عنها ، فتمتنعُ عن تركي أهمسُ بأذنها طالباً منها عتقي فتزمجر غضباً مني وكأنها تهددني، أعرفُ حقدها فأحاول أن أكون بطلاً و أعاندها ، أدفعها بقوة فلا تتركني لكنني استطعت الإفلات من قبضتها، ثم هرعتُ للخروج وهي تنظرُ نحوي بحقد خرجتُ من البيت مسرعاً وأنا أكيل لها الشتائم في سري و جهري و أسوق عليها اللعنات ، ولا يزال صوتُ وعيدها يعاقر أذني ، و آخر ما قالتهُ لي: إذهب أَنا شئت سترجع نحوي لاهثاً كالكلب لا مأوىً لك سواي .....
خرجتُ للخارج ... لاشيء سوى الضوضاء تعم أرجاء المكان لا ألوان هنا أميزها حيث تتداخل الصور والأشكال وتصنع اللامعقول، ومع ذلك فلن أعود لها مهما حدث ، وسرعان ما برقت في ذهني فكرة لما لا أشتيكها لمولاها و سيدها ، سأخبرهُ عن كل ما فعلتهُ بي، من خداعٍ و تنكيلٍ و ترهيب ، سأخبرهُ عن صنيعها الغادر وجبروتها الماكر، سأحدثهُ عن قساوتها وعنفها وتلذذها بتعذيبي وقهري....
وقفتُ في محراب خلوتي متنهداً متمتماً شاكياً .... نعم لقد أخبرتهُ عن كل شيء ولم انسى أن أحدثهُ عن تهديها الأخير و وعيدها الشرير .... أحسستُ بصمتٍ رهيبٍ مطبقٍ في فضاء المكان والزمان الذي يحتويني ، صمتاً كنت أخشاهُ وأخافهُ .. لطالما خفتُ منهُ لإني كنت أعلم الجواب مسبقاً ، وبالفعل أعقب هذا الصمت َ همسُ الروح بداخلي وكأن الجواب أتاني عبر ذاك الهاتفُ الذي هتفَ بفؤادي و نقل لي الجواب وحملني جريرة عملي و سوء منقلبي ، فخفضتُ رأسي ذلاً و اغرورقت عيناي بالدموع وانطفئ حماس غضبي وبرد عرق جبيني ، ولا شيء يضاهي انكسار نفسي وقلة حيلتي ثم جررتُ ذيل هزيمتي خلفي ولا شيء بداخلي سوى عذاب ما أوكدتهُ يداي وما نفخهُ فوهي !
كل الضوضاء في الخارج اختفت من حولي رغم أن شيءً لم يتغير عن ذي قبل، لكن لا صوت هنا سوى زفيري المتألم و نبض عروقي ..... وبلا شعور قادتني أقدامي نحوها مرةً أخرى فهي بالنهاية جنةُ كفري ولهثُ لعابي عندما جريتُ خلفها ..... وحينما اقتربتُ شاهدت منظرها القبيح وهي تنظر نحوي بعينتين شريرتين ماكرتين وضحكتها الصفراء الساخرة وكأنها ضحكة ساحرة شمطاء كلها ثقة بعودتي لها وفعلا ها قد عدتُ لها طوعاً وكرهاً في آنٍ معا ....
حينما استقبلتني قالت لي : أما قلت لك ستعود إلي لاهثاً كالكلب ... لم أجاوبها البته ، فقط فتحت ذراعيا نحوها كيما تحضنني، وسرعان ما غرست أظافرها بأديم ظهري مجدداً لكنني هذه المرة لم أكن أشعر بأي ألم لإنني فقدتُ الإحساس في كل شيء ولم يعد بداخلي سوى رماد فؤادي المحترق وبعضاً من ملح أدمعي.
التعليقات