على الشواطئ الغربية لدولة الإمارات العربية المتحدة تقبع إحدى العجائب الطبيعية الفريدة في هدوء بعيداً عن صخب المدن وضجيجها. وتعرف هذه البقعة الفريدة بجزيرة بوطينة.
جزيرة تؤمها أفواج كبيرة من الفصائل المهددة بالإنقراض وتتردد بين جنباتها زقزقة العصافير فى تناغم وتجانس بديعين. جزيرة تقع بمنأىً عن الضجيج والصخب وبمعزل عن أي نشاط سكاني. وإذا ما أضفت لهذه الصورة الشعاب المرجانية المفعمة بالألوان الزاهية وبأشجار القرم التى تظهر من وسط المياه الصافية بعلو يصل إلى سبعة أمتار.
وتشكل الحياة البرية الغنية والزاخرة بشتى أصناف الكائنات مختبراً حياً وطبيعياً للأبحاث المتعلقة بالتغير المناخي. ولدى هذه الجنة البكر، الكثير الذي يمكن للإنسان أن يتعلم منه حول كيفية حماية البيئة والبقاء.
وتشكل جزيرة بوطينة، بما تتمتع به من مزايا طبيعية تشمل المياه الضحلة والأعماق الغنية بمروج الأعشاب والحشائش البحرية وأشجار القرم الشامخة والشعاب المرجانية الخلابة، موطناً للعديد من الكائنات النادرة والمهددة بالإنقراض. فهناك الطيور البحرية مثل الفلامنجو الكبيرالذي يعرف محلياً بالقنتير والعقاب النساري وأنواع مختلفة من الدلافين والسلاحف المهددة بالانقراض مثل سلحفاة منقارالصقر. كما تعتبر مياه الجزيرة موطناً لثاني أكبر تجمع لأبقار البحر بعد أستراليا، وهي الثدييات البحرية التي تواجه خطر الانقراض عالمياً.
و تقع هذه البقعة الطبيعية الثمينة ضمن أكبر محمية بحرية في أبوظبي معتمدة من اليونسكو ضمن الشبكة العالمية لمحميات المحيط الحيوي، وتأتي جزيرة بوطينة ضمن ٢٨موقعا عالمياً تتنافس لتحظى سبعة منها فقط بلقب «عجائب الطبيعة السبع.
موطن الطيور المهاجرة
وتبعد جزيرة بو طينة 130 كيلومتراً تقريباً غرب أبوظبي حيث تعتبر موطن لأشجار القرم والشعاب المرجانية والأسماك والعديد من الأنواع المهددة بالانقراض مثل أبقار البحر والسلاحف والدلافين، كما تستخدمها العديد من الطيور المهاجرة كمناطق للتكاثر ومحطات توقف للراحة والتغذية خلال مسار هجرتها من وسط آسيا إلى أفريقيا.
ويشار إلى أن الشعاب المرجانية في بوطينة تستمر في الازدهار، على الرغم من الضغوط التي تتعرض لها بسبب درجات الحرارة والملوحة العالية، مما يؤكد قدرتها على البقاء في ظل ظاهرة الاحتباس الحراري. وتشكل بو طينة جزءاً مهماً من محمية مروح البحرية التي كانت أول محمية في المنطقة يتم ضمها لشبكة محميات المحيط الحيوي التابعة لليونسكو.
وعن المميزات التي تتمتع بها الجزيرة وتؤهلها للمنافسة عالميا، قال ثابت زهران آل عبد السلام، مدير قطاع إدارة التنوع البيولوجي البحري في هيئة البيئة، إنها تعود لغنى الأنظمة البحرية، ففي المياه التي تحيط بالجزيرة توجد الشعاب المرجانية والحشائش البحرية النادرة وأشجار القرم، إضافة إلى الأحياء البحرية وخاصة المهددة بالانقراض عالمياً مثل أبقار البحر التي تضم أبوظبي ثاني أكبر مجموعة منها بعد أستراليا وبالتحديد في محيط جزيرة بوطينة . والميزة الأخرى لجزيرة بوطينة حسب زهران تأتي من طبيعة المنافسة، ففي المسابقة هناك سبع فئات، وتقع بوطينة ضمن فئة الجزر التي تضم إضافة إليها ثلاث جزر أخرى، وهي جلاباكوس التي تقع في أمريكا الجنوبية وأول من زارها كان عالم الأحياء ريتشارد داروين لدراسة أصل الأنواع، وجزيرة المالديف إضافة إلى جزيرة جيجو في كوريا الجنوبية، معروفة عالميا، لكن الميزة التي تفتقدها مقارنة ببوطينة أن الأخيرة تتواجد في بيئة جافة جدا ودرجة حرارة عالية، والمعجزة التي توفرها هذه الجزيرة ترجح كفتها في المنافسة، فكما هو معروف تعيش الشعاب المرجانية في درجة حرارة لا تتعدى 23 % بينما الشعاب المرجانية في بوطينة تعيش في درجة حرارة 35 % ما يفتح الباب لإجراء الدراسات العلمية للمهتمين بتفسير هذا الوضع الاستثنائي، وبالتالي هناك نتائج علمية كامنة في الجزيرة وتستقطب اهتمام علماء الأحياء البحرية والتي سنتمكن من خلالها معرفة آليات المقاومة النباتية لتأثيرات التغيرات المناخية .
موسم تعشيش السلاحف
في شهر أبريل من كل عام، ترصد هيئة البيئة تعشيش السلاحف البحرية على جزيرة بوطينة، حيث سجل الباحثون بهيئة البيئة – أبوظبي وجود خمسة أعشاش، والقابلة للزيادة على مر الشهور، ومع هبوط الليل في الجزيرة، تصل سلاحف منقار الصقر إلى الشاطئ بغرض التعشيش، حيث تحفر حفرة على الرمال وتضع فيها بيضها، لتقوم بعد ذلك بتغطيتها بالرمل، ومن ثَمَّ تعود إلى البحر مرة أخرى. ويذكر أن أنثى السلاحف البحرية قد تعود أكثر من مرة الى الشاطئ خلال موسم التعشيش لوضع بيضها.
وأكد مدير قطاع التنوع البيولوجي بهيئة البيئة – أبوظبي، أن شواطئ بوطينة توفر مواقع تعشيش هادئة وآمنة لسلاحف منقار الصقر، ويعتبر ذلك سبباً آخراً لاستحقاق بوطينة أن تكون واحدةً من بين عجائب الطبيعة السبع الجديدة.
ويشار إلى أنه وعلى الرغم من أن حفنة بيض سلحفاة منقار الصقر تحتوي في العادة على 80 إلى 120 بيضة، إلا أن أغلبية الفراخ لا تصل إلى مرحلة البلوغ بسبب افتراسها من قبل الطيور البحرية وسرطانات البحر. أما الفراخ من الإناث، التي تنجح في الوصول إلى مرحلة البلوغ، فتعود مرة أخرى إلى نفس شاطئ التعشيش الذي تواجدت عليه عند لحظة خروجها من البيضة.
وتعتبر سلاحف منقار الصقر من الانواع المدرجة في القائمة الحمراء للإتحاد الدولي لصون الطبيعة ضمن الأنواع المهددة بخطر بالانقراض. كما تعتبر سلاحف منقار الصقر النوع الوحيد من السلاحف البحرية المعروف بتعشيشه على شواطئ الجزر بإمارة أبوظبي. وعالمياً انخفضت أعداد مجموعات سلاحف منقار الصقر بسبب انتشار التجارة في دروعها. وتشمل الأخطار الأخرى التي تواجهها هذه السلاحف، فقدان مواقع التعشيش بسبب الأنشطة البشرية المرتبطة بأعمال التنمية الساحلية، وفقدان مواطن التغذية والنفايات البحرية وما تتعرض له بشكل عرضي من ضربات بواسطة مراوح القوارب أو وقوعها في شبكات الصيد.
وتعتبر شعابها المرجانية متميزة، وذلك لمقدرتها على البقاء في ظل بيئة قاسية وصعبة، لاسيما أنها تتعرض لدرجات حرارة تفوق مستويات احتمالها، ومع ذلك تظل شامخة لتشكل تجربة طبيعية جديرة بالدراسة من واقع التغير المناخي. كما تكشف عمليات المسح والمراقبة السنوية عن أعداد كبيرة من سلاحف منقار الصقر والسلاحف الخضراء، وهي تجوب جزيرة بوطينة. وتعتبر بوطينة موطنا لأبقار البحر التي هي من أكثر الكائنات الخجولة من بين الفصائل التي تستوطن جزيرة بوطينة. وتؤوي مياه أبوظبي ثاني أكبر تجمع لأبقار البحر في العالم، حيث يستوطن معظم أفراد ذلك التجمع مياه جزيرة بوطينة.
ويوجد في بوطينة ثلاثة أنواع على الأقل من الدلافين في مياه الجزيرة، حيث يشاهد الدولفين الأحدب في المياه المحاذية للساحل والدولفين قاروري الأنف والدولفين الشائع، كما يتعرض الجانب المحمي من الجزيرة بانتظام للمد والجزر مما يسمح بوجود وبقاء مجموعات أشجار قرم مزدهرة بارتفاع متوسطه 5 أمتار.
وتستخدم العديد من الطيور المهاجرة الجزيرة كمحطة توقف للراحة والتغذية خلال مسار هجرتها من وسط آسيا إلى أفريقيا، إضافة إلى أن الجزيرة تستضيف مجموعة صغيرة من طائر الخرشنة بيضاء الوجه والعقاب النساري و25 ألفاً من طيور الغاق السقطري الذي يعتبر أيضاً من الطيور المهددة عالمياً.
التعليقات