طموحها لا يعرف النهاية.. إثبات الذات .. الهدف الأوحد في حياتها.. أن ترفع اسم الإمارات غايتها وأساس المغامرة .. هي الإماراتية إلهام القاسمي، والتي استطاعت أن تسجل رقماً قياسياً جديداً، عبر قيامها برحلة هي الأولى من نوعها إلى القطب الشمالي، دون أي مساعدة أو دعم يذكر، لتكون بذلك أول إمرأة عربية تطأ قدماها القطب الشمالي، متحدية بذلك درجات الحرارة الباردة، التي بلغت 30 درجة مئوية تحت الصفر، وتعاملت مع كافة الظروف القاهرة لتحقيق حلمها وطموحها؛ لتقوم برحلة إلى المناطق القطبية سيراً على الأقدام لمدة ثلاثة أسابيع ...
بداية نود أن نتعرف على إلهام القاسمي أكثر؟
اسمي إلهام القاسمي، وحاصلة على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية في دبي، والماجستير في السياسة الاجتماعية من كلية لندن للاقتصاد، عشت في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة اثنتي عشرة سنة، وعدت بعدها إلى الإمارات لاستكمل تعليمي، ومكثت فترة خمس سنوات بلندن للدراسة والعمل كمديرة للاستثمارات في مجال الموارد المالية.
هناك سؤال يتبادر إلى الأذهان.. ما الذي يدفع فتاة تمتلك كل هذه الشهادات الجامعية ووظيفة مرموقة لتذهب إلى رحلة للمجهول؟
أردت أن أضع لنفسي هدفاً أكبر، وهو أمر ترغب فيه كل النساء في دولنا العربية، ولكننا لا نجد الوقت للتفكير بالأشياء التي تهمنا بحق أو كيفية تحقيق هذه الأهداف، وأردت بحق تحدي نفسي، وهي فكرة خطرت على بالي منذ أربعة أعوام تقريباً... وقتها قلت، «إن الذهاب إلى أبعد نقاط الأرض تحدٍ للطبيعة الأم للكرة الأرضية»، وقررت خوض المغامرة، متأثرة بأقوال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، «بأننا نحب أن نكون في الأول دائماً»، والتي تدعو إلى المثابرة والاجتهاد والمغامرة والتجربة، وفي اعتقادي، أننا كأمة يمكن أن نكون أكثر طموحاً نحو الإنجازات المحتملة للجيل المقبل، بما في ذلك الإنجازات التي لا نستطيع حتى تصورها الآن، فقد عمل آباؤنا وأجدادنا بجد لبناء دولة عظيمة، وعلينا أن نواصل ذلك من خلال التحفيز والدافع.
لماذا وقع اختيارك على القطب الشمالي بالتحديد رغم وجود مواقع أخرى تصلح للمغامرة؟
هذا الاختيار كان يؤرقني بشدة، واستغرقت وقتا طويلاً بالتفكير في اختيار المكان المناسب لمغامرتي، حتى وصلت إلى أن رحلة القطب الشمالي، هي - بالفعل - ما أرغب به، ولم تشكل لي أماكن أخرى مثل قمة «إيفريست» أو جبل «كلمينجارو» أية إغراءات بالنسبة لي، أو المغامرة التي أحلم بها، خاصة وأن هناك الكثير ممن سبقوني في زيارة واستطلاع هذه المواقع، ووجدت ضالتي في القطب الشمالي.
لكن ما السر في اختيار هذه المغامرة رغم وجود مغامرات أخرى يمكنك القيام بها مثل الغطس أو القفز من الطائرات؟
منذ صغري وأنا أعشق ممارسة الرياضة وخاصة رياضة تسلق الجبال، في عطلات نهاية الأسبوع كنت أمارس التمارين الرياضية بشكل يومي، ولكنني لم أجد التشجيع الكافي، وبهذا تولدت لديَّ الرغبة لتسلق التلال والجبال منذ الصغر.
كيف تقبل الأهل والأصدقاء هذه الفكرة؟
من الطبيعي أن تشعر العائلة ويشعر المقربون مني بالقلق والهواجس، خاصة وأن مثل هذه الرحلات مليئة بالمخاطر، وامتلاكهم صوراً ذهنية عن أناس سابقين لي تعرضوا للعديد من الصعوبات والمشاكل، وفي البداية اعترض والدي على الفكرة، لكنني استطعت إقناعه بمساعدة أختي وزوجها، وأتذكر أنني قمت بالاستعداد جيداً للإجابة على أسئلة والدي، وعقب موافقتهما وجدت الدعم منهما، حتى أن والدتي كانت تعد لي مشروبات الأعشاب الساخنة، والتي تساعد على زيادة مناعة الجسم أثناء الرحلة، إضافة إلى بعض النصائح والإرشادات لتجنب برودة الطقس هناك، في حين قام والدي بنصحي بأهمية التخطيط بعناية لهذه الرحلة، ودراسة المخاطر المحتملة، وقام بمرافقتي حتى آخر نقطة في النرويج قبل بداية الرحلة.
لكن الكثير ممن سبقوكِ أصابهم الضرر من مثل هذه الرحلات..هل أضافت لكِ هذه القصص الكثير من المخاوف أو الحذر؟
سمعت عن هذه القصص وتعرفت إلى الأخطاء التي قاموا بها، وذلك عبر إطلاعي على التجارب السابقة، وقمت بزيارة أشهر المدربين المخضرمين في هذا المجال مثل أدريان هايس، والمكتشف البريطاني، توم أفيري، واستمعت إلى نصائحهم، وكلهم زادوا من قناعتي بضرورة القيام بهذه الخطوة.
من المؤكد أن هذه المغامرة تطلبت استعدادات كبيرة؟
قبل بداية الرحلة كان هناك استعداد ذهني وجسماني، والأول مثل لي بعض الصعوبات، حيث اشتركت في برنامج «لليوغا» لمدة 9 أيام، وتتضمن البرنامج ممارسة الصمت للمساعدة في التحضير للرحلة الذهنية، أما التحضيرات الجسمانية، فاستغرقت ستة أشهر، وقام المدرب الخاص بي بتقسيمها إلى أربع مراحل، وهي مرحلة الأساس للتعريف بالمهام التي سأقوم بها، مرحلة تدريبات الطاقة، مرحلة تدريبات التحمل، وكانت عبارة عن جولات طويلة من سحب الإطارات وتدريبات القوة، وقبلها شاركت في معسكر للتدريب القطبي في إحدى الولايات الأمريكية، وكانت لمدة خمسة أيام، وكان هذا المعسكر يشابه إلى حد كبير نفس بيئة القطب الشمالي، من حيث الظروف المناخية والتغذية، وكانت درجة الحرارة هناك تصل إلى 30 درجة تحت الصفر، وأخيراً مرحلة التأقلم المناخي لضمان صمودي في الأجواء الباردة أثناء الرحلة، خاصة وأنني قمت بالرحلة عبر التزلج، حيث من الصعب التنفس طبيعياً أثناء برودة الطقس، وقبل هذه التدريبات المكثفة انتظمت في برنامج تدريبي مكثف عام 2009، لبناء اللياقة البدنية عن طريق التدريب لمدة ثلاث مرات أسبوعياً، خاصة وأن رحلتي كانت عبر الساقين والذراعين، على عكس رحلات أخرى يستخدم فيها الدراجات البخارية أو معدات ميكانيكية، وقبل الرحلة قمت برحلات جليدية في جبال الألب لمدة ستة أيام، وأشرف عليها ثلاثة من المرشدين.
هل كانت هذه التدريبات تحت إشراف خبراء واختصاصيين أم ذاتية؟
تمت هذه التدريبات تحت إشراف أربعة مدربين من ذوي الخبرة والانجازات الشخصية، أحدهم شارك 20 مرة في سباقات الرجل الحديدي، والثاني يعد من أكبر خبراء تدريبات القوة، والثالث من المتميزين في تسلق المرتفعات والجبال، والرابع تم تصنيفه ضمن المراكز العشرة الأولى في أوروبا، كأحد أهم المتزلجين في أوروبا.
لكن مثل هذه الرحلات قد تتطلب مواصفات بدنية معينة... هل توافرت عندكِ؟
المواصفات البدنية المعنية لا تعني قوة العضلات، وإنما الصحة العامة وعدم وجود إعاقة وخلال فترة التدريبات، قمت باتباع نظام غذائي معين، يقوم على مضاعفة الحصة الغذائية، وأن أتحكم في نوعية الطعام الذي أتناوله، حتى أعتاد على هذه الكمية أثناء الرحلة، بالإضافة إلى تناول المكملات الغذائية لتحقيق التوازن لجسمي، وتعزيز مناعته والابتعاد عن تناول الحلوى، وقمت كذلك بالتعود على الاستيقاظ مبكراً.
هل كانت الرحلة للقطب الشمالي مكلفة مادياً؟
كانت مكلفة جدا،ً خاصة وأنني لم أجد الدعم المالي في بداية الرحلة؛ إلا من بعض المؤسسات والجهات الحكومية مثل «طيران الإمارات» وبنك «الإمارات دبي الوطني»، واللذين حرصا على رعاية الحدث، إلا إنها لم تغطِ تكلفة الرحلة، وهذه من المعوقات الكبيرة التي واجهتني قبل البدء في الرحلة.
هل كانت هناك معوقات أخرى؟
كانت هناك بعض المشاكل الخاصة في ساقي، حيث تعرضت قصبة الساق للإجهاد؛ بسبب تعدد مرات الجري، كما أصبت بفتق وتوقفت عن التدريب لمدة عشرة أيام للتعافي من الإصابة، وكانت هذه المشاكل بمثابة تحدٍ لشخصيتي وصمودي أمامها.
ما هي المدة الزمنية التي استغرقتها الرحلة؟
استغرقت ثلاثة أسابيع كاملة، قطعت خلالها أكثر من 100 ميل بحري، وكانت الانطلاقة من دبي إلى مدينة لونجيربيرن النرويجية، حيث قمت هناك بالتجهيزات والتجارب النهائية للمغامرة، كذلك الفحص النهائي لمعداتي؛ للتأكد من سلامتها واستكمال ما ينقص من معدات، ثم انتقلت بعدها إلى بورنيو وهي محطة روسية على الجليد العائم، تقع ما بين خطي عرض 88 و89، ومن هناك انطلقت مع فريقي على أدوات التزلج إلى القطب الشمالي، حيث استغرقت الرحلة نحو 12 يوماً.
هل كانت فترة زمنية محددة مسبقاً في أجندة الرحلة؟
الجدول الزمني للرحلة، كانت تتحكم فيه حالة الطقس ومسار الرحلة، والذي تغير طبقاً لعوامل الأمان، حيث قمنا بالتزلج عبر المحيط المتجمد وليس اليابسة، وبالتالي لم يكن هناك مسار ثابت لرحلتنا؛ لنتمكن من الالتفاف حول الجدران الثلجية العالية، التي تكونت بفعل ارتطام كتلتين جليديتين، وأحياناً لتجنب التشققات الجليدية، التي تؤدي إلى مياه المحيط المظلمة، وأحياناً أخرى كنت أتجنب المشي على الطبقات الجليدية الرقيقة والهشة، التي قد تتشقق عند المشي عليها، كما كان علينا التغلب على الرياح والتيارات البحرية، التي عادة ما تحرك المنطقة القطبية في الاتجاه المعاكس للذي نسلكه.
كم عدد أفراد الفريق؟
رافقني في هذه الرحلة مرشدان، من أصحاب الخبرة في مجالات الصحة والحماية من الطقس البارد في القطب الشمالي، وكانت مهمتهما مراقبة درجة حرارة أجساد أعضاء الفريق، وتقديم التمارين الرياضية الخاصة بتدفئة الجسم، إضافة إلى ثلاثة من أفراد طاقم شركة معروفة في استكشاف القطب الشمالي.
كيف تغلبتم على مشكلة الدببة القطبية؟
قمنا باستخدام الشعلة في المساء وذلك لإخافتها، وكانت مع المرافقين بالرحلة أسلحة نارية في حالة التعرض للهجوم.
صفِ لنا المشهد وقت وصولك لمنطقة القطب الشمالي؟
كانت لحظة غامرة بالسعادة، قمت بنثر رمال على جليد القطب، كنت قد أحضرتها معي من الإمارات العربية المتحدة، وبدأت أصرخ بأسماء بعض صديقاتي، واللاتي طلبن مني ذكر أسمائهن على القطب الشمالي.
هل هناك أعمال أخرى قمتي بها خلال الرحلة؟
كنا نتجول في المنطقة لمدة ثماني ساعات يومياً وبدون توقف، وعند وقت الراحة كنت أكتب وأدون في مذكراتي المشاهد التي تمر أمامي، وأصف فيها مشهد رؤية الكتل الجليدية والسراب الجليدي، وهو عبارة عن شموس زائفة بين أضواء الشمال وأقواس قزح.
ما المضاعفات الصحية التي تعرضتِ لها عقب الرحلة؟
أصبت ببعض التشققات في الأصابع بسبب البرد القارس، الذي تعرضت له هناك، بالإضافة إلى آلام أخرى في الركبة والكوع بفعل درجات الحرارة المنخفضة، التي سببت لي الألم في العضلات نتيجة ممارسة رياضة التزلج يومياً لمدة ثماني ساعات، والتي كنا نضطر لممارستها وذلك كي أمنع عن نفسي الإحساس بالبرد، الذي كان يؤدي إلى تجمد أصابعي ويعيق حركتي، لكن كل هذا لا يقارن بلحظة رفع علم الإمارات فوق القطب الشمالي.
هل استسلمت إلهام أمام هذه الصعوبات؟
في بعض الأحيان راودني شعور بأن معنوياتي ستتهاوى، كنت ألجأ إلى قراءة الرسائل، التي تلقيتها قبل بدء الرحلة من الأحبة والأصدقاء، الذين منحوني التشجيع والقوة على المضي قدماً، تلقيت رسائل ملهمة ومشجعة من نساء من مختلف أنحاء الشرق الأوسط، من السعودية، سوريا والمغرب، كن يردن مني تحقيق هذا الحلم لذلك كانت القوة والدافع على تحقيق هذه الحلم، أستمده من هذه الرسائل.
هل غيرت الرحلة من شخصية إلهام القاسمي؟
قبل الرحلة كنت جريئة مع الحذر الشديد قبل الإقدام على أي فعل، بينما اليوم أنا قادرة على الإقدام على أي مغامرة دون تردد، خاصة بعد تغلبي على الكثير من الصعاب في الرحلة الأخيرة، وتلقيت هذا الشعور في الميلين الأخيرين من الرحلة، إحساس كل شخص يصل إلى هذه النقطة يكون مختلفاً، وبالتالي فإن هذا يجعل التجربة فردية بكل المقاييس.
عقلي لا يتوقف عن التفكير في مغامرة جديدة أقوم بها، ولكن لكل حادث حديث.
التعليقات