الحلقة الثانية
كانت عضوية ستيف جوبز مؤسس شركة "آبل" في نادي رواد هيوليت باكارد (إتش بي) لها أهمية خاصة، حيث أتاحت له الفرصة للمشاركة في بعض المشروعات، ورغم صغر سن ستيف في تلك الفترة إلا أنه قرر أن يقوم بصناعة عداد يقيس الترددات في كل ثانية ويظهره في شكل إشارة إلكترونية، لكنه كان في حاجة إلى بعض القطع التي تصنعها شركة (إتش بي)، فحصل على رقم تليفون المدير التنفيذي من الدليل، وتحدث معه لمدة 20 دقيقة، وبالفعل أعطاه القطع التي طلبها، كذلك أعطاه أيضًا وظيفة في المصنع الذي ينتجون فيه عدادات الترددات، وكان وقتها في السنة الأولى في مدرسة "هومستيد" الثانوية.
تلخص عمل ستيف في تركيب "البرغي" على الأشياء في خط التجميع، وكان هذا جزءا من حبه للعمل، حيث كان يعمل أيضًا في توزيع الصحف على دراجته، وفي عامه الثاني بالمدرسة الثانوية كان يعمل في عطلات نهاية الأسبوع كأمين مخازن في أحد متاجر الإلكترونيات القديمة.
في الخامسة عشرة من عمره، استطاع جوبز أن يشتري سيارته الأولى، بقليل من المساعدة من والده، وقد كانت سيارة ماركة "ناش متروبوليتان" مزدوجة اللون، وفي العام نفسه بدأ في تدخين الماريجوانا، وأدمنها، إلى أن اكتشف والده ونهره وتشاجر معه، وكما يقول جوبز فإن هذا الشجار كان الوحيد الذي دار بينه وبين ووالده خلال حياته، وطلب منه أن يعده بألا يدخنها مرة أخرى، لكن جوبز لم يف بالوعد، وتطور الأمر وأدمن عقار الهلوسة الذي كان يتناوله بشكل منتظم، وبكميات أكبر في الحقول والسيارات، وظهرت عليه تأثيرات نقص النوم على العقل في السنة النهائية بالمرحلة الثانوية.
لم يستمر الأمر طويلًا، وبدأ جوبز يتجه لسماع الموسيقى، والقراءة خارج مجال العلوم والتكنولوجيا، حسث قرأ أعمال شكسبير وأفلاطون، وتلقى دروس التوظيف المتقدمة، بالإضافة إلى دورات تدريبية أخرى في الإلكترونيات التي كان يدرسها "جون ماكولم"، طيار البحرية السابق.
في هذا الوقت تمكن جوبز من صناعة جهاز يحتوي على خلية ضوئية تغلق الدائرة الكهربائية عندما تتعرض للضوء، حيث كان يهتم كثيرًا باللعب بأشعة الليزر، وهو شيء تعلمه من والده، وقد ابتكر بمساعدة عدد من أصدقائه، عروضًا ضوئية للحفلات عن طريق انعكاس أشعة الليزر على المرايا التي كانت مثبتة على سماعات جهاز الإستريو الخاص به.
الثنائي ستيف
تعرف ستيف على ستيف وزنياك الطالب المفضل في صف الأستاذ ماكولم نظرًا لعبقريته في الإلكترونيات، وكان "وزنياك" يكبر جوبز بخمسة أعوام وأكثر منه خبرة ومعرفة بعالم الإلكترونيات، وكان والده عالمًاً في صناعة الصواريخ لدى مؤسسة "لوكهيد"، وكان وزيناك في الفترة التي كان جوبز يطرح الأسئلة على والده حول الميكرفون الكربوني، ولم يستطع الإجابة، كان وزيناك يستخدم الترانزيستور لعمل نظام اتصال داخلي به مكبرات للصوت ومحركات كهربائية وأضواء وجرس كهربائي يصل بين غرف نوم الأطفال في ستة منازل متجاورة، لكن وزنياك تعلم أيضاً من والده كراهية الطموح الذي لا حدود له، وفي حفل أقيم لإطلاق أحد منتجات شركة آبل عام 2010، بعد ما يقرب من أربعين عامًا على صداقتهما أشار ووزنياك إلى هذا الاختلاف وقال: "يجب أن ترغب دائماً في أن تكون في مكانة وسطية، لذا لم أكن أرغب في أن أكون وسط عِلية القوم مثل ستيف، لقد كان والدي مهندسًا، وهذا هو ما أردت أن أكونه. وكان انعزالي الدائم يمنعني من أن أكون قائداً مثل ستيف".
الصندوق الأزرق
في السنة النهائية من المرحلة الثانوية بدأت المغامرة التي ساعدت على إنشاء شركة آبل، ففي أحد الأيام قرأ وزنياك مقالاً في مجلة "سكواير" في شهر سبتمبر عام 1971 كتبه رون روزنبوم بعنوان "أسرار الصندوق الأزرق"، وكان يصف في المقال كيف أن قراصنة الحاسب والمحتالين على شركات الهاتف قد اكتشفوا طريقة لعمل مكالمات هاتفية لأماكن بعيدة مجانًا عن طريق محاكاة النغمات التي تنقل الإشارات على شبكة شركة إية تي أند تي (AT&T).
اتصل وزنياك فورا بصديقه ستيف جوبز هاتفيا وقرأ له أجزاءً من المقال، وكان يعرف أن جوبز الوحيد الذي يمكنه أن يشاركه ما يشعر ويفهم ما يقوله، وكان أحد أبطال المقال هو "جون درابر" أحد أشهر مخترقي الحاسبات وكان يعرف باسم "كابتن كرنش"، لأنه اكتشف أن الصوت الذي تطلقه الصافرة اللعبة يشبه النغمة نفسها ذات التردد 2600 هرتز والتي تستخدمها محولات مسارات المكالمات على شبكة الهاتف.
واكتشف درابر أن هذا الصوت يمكنه خداع النظام ويجبره على السماح بإجراء مكالمة بعيدة المدى دونما أية تكاليف إضافية، وأوضح المقال أن النغمات الأخرى والتي يمكن أن تعمل على تحديد مسار المكالمات يمكن العثور عليها في أحد إصدارات مجلة "بيل سيستم تكنيكال جورنال"، والتي بدأت شركة إية تي أند تي (AT&T)، سحبها من الأسواق، لكن ستيف ووزنياك استطاعا الحصول على نسخة من المجلة، وكان بها النغمات والترددات.
ولتطبيق هذه النظرية اشترى جوبز ووزنياك جهازًا رقميًا يصدر النغمات، وكان جوبز قد صنع من قبل عداد ترددات عندما كان عضوًا في نادي مستكشفي "HP" ومن ثم استخدماه في تحديد النغمات التي يرغبان في الحصول عليها، وبضبط مؤشر الجهاز كان بإمكانهما نسخ وتسجيل النغمة التي يحددها المقال، وحاولا الاتصال بعم وزنياك في لوس أنجلوس لتجربة الجهاز، لكنهما اتصلا برقم خاطئ، لكن التجربة نجحت، واقترح جوبز فكرة مفادها أن الصندوق الأزرق يمكن أن يكون أكثر من مجرد هواية، فبإمكانهما تصنيعه وبيعه.
التعليقات