حياة صاخبة عاشها ستيف جوبز الذي أحدث ثورة في ست من الصناعات المحورية في العالم، وهي الحواسب الشخصية، وأفلام الرسوم المتحركة، والموسيقى، والهواتف، والحواسب اللوحية، والنشر الرقمي، بالإضافة للثورة التي أحدثها أيضاً في سوق المحتوى الرقمي القائم على التطبيقات.
ونستطيع أن نعتبر تفاحة جوبز التي تجسد شعار شركة "آبل" هي التفاحة الثالثة التي غيرت العالم، بعد تفاحة آدم، وتفاحة إسحاق نيوتن التي أرشده سقوطها إلى قانون الجاذبية.
قصة كتاب
في كتاب يضم 626 صفحة يروي والتر إيزاكسون مدير تحرير مجلة تايم، والرئيس السابق لقناة "سي إن إن" قصة حياة ستيف جوبز، وقد اشتهر والتر بكتابة السير الذاتية لبنجامين فرانكلين، وألبرت أينشتاين، لذلك عندما طلب ستيف من والتر أن يكتب سيرته الذاتية سأله بإسلوب ضاحك إذا كان يرى نفسه المكمل البديهي لهذه السلسلة.
اعترض جوبز على طلب صديقه قائلاً: إنه لن يقوم بذلك الآن ولكن ربما بعد عقد أو عقدين أو بعد تقاعد ستيف جوبز، لأنه لايزال في منتصف مسيرته المهنية ومازال أمامه الكثير من النجاحات والإخفاقات، رغم أن صداقتهما بدأت منذ عام 1984 عندما حضر جوبز لتناول الغداء مع محرري مجلة تايم ليعرض عليهم منتجه الجديد ماكنتوش (Macintosh)، ومنذ ذلك اليوم توطدت العلاقة بينهما، وقد عاصر والتر فترات صعود وهبوط ستيف.
وقد بدأت فكرة كتابة السيرة الذاتية لحياة ستيف جوبز تراوده منذ عام 2004، وكأنه كان يشعر أنه في طريق النهاية، ورغم أنه طلب ذلك بصورة مباشرة من والتر إلا أنه لم يكن متحمساً إلا عندما قالت له لورين باول زوجة سيف بخشونة "إذا كنت تنوي تأليف كتاب عن ستيف، فمن الأفضل أن تقوم بذلك الأن"، وأخبرته أن ستيف مريض بالسرطان، وأنه الآن في حجرة العمليات لإجراء جراحة لاستئصال ورم سرطاني، وأنه لم يرغب أن يخبر أحداً بالأمر.
منذ تلك اللحظة قرر والتر البدء في مشروع كتاب يروي سيرة ستيف جوبز، وأجرى مقابلات مع ما يزيد على مائة شخص من أفراد العائلة والأصدقاء والخصوم والمنافسين والزملاء، وما يزيد على أربعين مقابلة مع ستيف جوبز أُجريت على مدار سنتين، خلالهما كان يمر ستيف من وقت لآخر بانتكاسات سرطانية، لكنه كان يعود أكثر حماساً واستعداداً رغم مرضه وآلامه، وكأنه لا يريد أن يموت قبل أن يروي قصة حياته.
ابن غير شرعي
جوان شيبل ذات الأصول الألمانية، وابنة رجل الأعمال آرثر شيبل الثري المتزمت، وطالبة الدراسات العليا بجامعة ويسكونسن الأمريكية تتعرف على عبدالفتاح جندلي، المدرس المساعد في نفس الجامعة، والسوري الأصل، وينتمي لعائلة سورية شهيرة، ويمتلك والده معامل لتكرير البترول إلى جانب العديد من المشروعات التجارية.
في صيف 1954 تسافر جوان مع عبدالفتاح إلى سوريا، ويقضيا شهرين في حمص، وعندما عادا اكتشفت جوان أنها حامل، وكان كلاهما في الثالثة والعشرين من العمر، وقد رفض والدها فكرة الزواج من عبدالفتاح وهددها لو تزوجت سيحرمها من الميراث، وأن يتبرأ منها.
وقتها لم يكن الإجهاض هو الخيار السهل في مجتمع صغير ومتدين، مما اضطرها إلى أن تسافر إلى سان فرانسيسكو في أوائل عام 1955، وكانت وجهتها أحد الأطباء المتخصصين في رعاية الأمهات غير المتزوجات حتى يضعن أولادهن، ثم يعرضهم للتبني.
ورغم أن جوان اشترطت على الطبيب أن من يقوم بتبني ابنها لابد أن يكون من خريجي الجامعات، إلا أن الطفل في 24 فبراير 1955 كان من نصيب بول جوبز، الذي ترك دراسته الثانوية لشغفه بالميكانيكا، وزوجته كلارا التي كانت تعمل مسئولة حسابات، وكانا يرغبان في إنجاب طفل، ولكن كلارا كانت تعاني من مرض يمنعها من الإنجاب، وبعد مرور تسعة أعوام من الزواج قررا تبني طفل، وسمياه "ستيف بول جوبز".
الأب الضائع
رغم رفض جوان التوقيع على أوراق التبني على مدار أسابيع بسبب مؤهل الأب البديل إلا أنها في نهاية الأمر تراجعت، وطلبت من بول جوبز التعهد بعمل حساب توفير يكفي لتعليم ستيف إلى مرحلة الجامعة، وفي نفس العام بعدما تم التبني توفى آرثر والد جوان، وتزوجت من عبدالفتاح الذي حصل على الدكتوراة في السياسة الدولية في العام التالي، ورزقهما الله بطفلة أسموها منى.
ورغم قصة الحب التي جمعتهما إلا أن ظروف عمل عبدالفتاح مديراً لمصفاة تكرير نفط في حمص دفعت زوجته إلى اللجوء إلى المحاكم وطلب الانفصال، وفي عام 1962 حدث الطلاق، وتزوجت أحد أفراد عائلة سيمبسون، وسجلت ابنته منى باسم عائلة سيمبسون وهي الآن روائية شهيرة بين الأمريكيين وصاحبة 5 روايات، أهمها "الأب الضائع" التي تدور حول بحثها عن أبيها عبد الفتاح جندلي.
لم تكن حقيقة ستيف كطفل بالتبني سرًا، فقد عرف منذ نعومة أظافره أنه متبنى، حيث قال "لقد كان والداي صريحين معي للغاية فيما يتعلق بهذا الأمر"، وقد ترك ذلك جرحًا غائرًا في شخصيته، حيث قال ديل يوكام أحد زملائه الذين عملوا معه لفترة طويلة "أعتقد أن رغبته في امتلاك التحكم التام في أي أمر يقوم به ينشأ عن شخصيته وحقيقة أن والديه قد تخليا عنه بعد مولده، فهو يرغب في التحكم ببيئته، ويرى المنتج كامتداد لذاته".
ومن المفارقات التي واجهها ستيف في حياته، عندما تخلى عن طفلته الذي اعترف بها فيما بعد وتولى رعايتها، وقد قالت كريسان برينان، والدة الطفلة، إن حقيقة أنه عُرض للتبني قد تركته "حطامًا"، وهذا يفسر بعضًا من سلوكياته، وقالت "إن من يتُرك يَترك".
وكان ستيف يغضب إذا أشار شخص إلى بول وكلارا على أنهما والداه بالتبني، وقال:"لقد كانا والداي بنسبة 1000%"، وكان يتحدث بجفاء شديد عن والديه الحقيقيين وقال:" لقد كانا مجرد الحيوان المنوي والبويضة اللذين نتجت منهما، فهذه ليست قسوة لكنها الحقيقة، إنها مجرد مسألة بيولوجية، وليس أكثر من ذلك".
الميكانيكا والسيارات
انتقل حب الميكانيكا والسيارات إلى ستيف من والده بول، الذي استمر في شراء وتجديد السيارات المستعملة ثم بيعها إلى جانب وظيفته الأساسية في شركة سي آر تي للتمويل التي كان يعمل بها بوظيفة "رجل الاستعادة" وهو الشخص المسئول عن استعادة السيارات التي يتعثر ملاكها في دفع أقساطها، وذلك حتى يستطيع تأمين دخل مناسب لأسرته، بصفه خاصة بعد تبنيه لطفلة أخرى أسمياها "باتي".
وقد تحدث ستيف كثيرًا عن إعجابه بتركيز والده على المهن اليدوية قائلاً: " اعتقدت دائمًا أن والدي كان يتمتع بحس تصميمي جيد لأنه كان يعلم كيفية بناء أي شئ، إذا كنا في حاجة إلى خزانة، كان يقوم بتصنيعها، وعندما قام ببناء سور حديقتنا، قام بإعطائي مطرقة حتى أستطيع مساعدته في العمل، وبعد خمسين عامًا لايزال السور محيطاً بالحديقتين الجانبية والخلفية لمنزل "ماونتين فيو".
يؤكد ستيف أن الدرس الذي تعلمه من والده عندما بنى سور الحديقتين، عندما قال له إنه من المهم أن تصنع خلفيات الخزائن والأسوار جيداً حتى ولو كانت مخفية، وتعلم كيف يحب أن يفعل كل شئ بطريقة صحيحة، حتى ولو كان شيئًا لا يمكن رؤيته.
وقد تعرف جوبز للمرة الأولى على الإلكترونيات من خلال سيارات والدة حيث قال: لم يكن والدي يفهم كثيرًا في الإلكترونيات، ولكنه كان يتعامل معها كثيرًا في السيارات والأشياء الأخرى التي كان يقوم بإصلاحها، لقد علمني مبادئ الإلكترونيات دون أن يدرك ذلك.
التعليقات