عندما تتأمل المرآة وتلاحظ هذه الخطوط التي بدأت تأخذ طريقها في وجهك لتخبرك بتفاصيل رحلتك المثيرة في الحياة، تلك التجاعيد التي تتسلل ببطء هي البصمة التي يضعها الزمن على وجوهنا.. لا أحد يريد أن يرى هذه الخطوط لأنها دليل على الوهن الذي يعتري أجسادنا مع مرور الوقت، لكن في سويسرا فإن التقدم بالعمر لا يعني الوهن.
عندما تنظر من نافذة الطائرة لدى دخولك الأجواء السويسرية ستتشبع عيناك بالجبال والسهول التي تكتسي جميعها اللون الأخضر، لون الشباب الدائم، لتخبرك بأن للطبيعة في هذا البلد منطق مختلف عن أي مكان آخر.
مع خطواتك الأولى في شوارع جنيف التي تعج بمتاجر الساعات الفاخرة، ستلحظ العديد من كبار السن الذين يتحركون بكل نشاط مرتدين الجينز والأحذية الرياضية، وقد تركت الطبيعة أثرها الجميل على هؤلاء الذين يحتفون في كل لحظة بتجاعيدهم دون أن تمنعهم من الاستمتاع بحياتهم.
في سويسرا كل شيء يعمل وفق عقارب الساعة، لكن هذه العقارب لم تنل من هؤلاء الذين دخلوا في العقد الثامن محتفظين بلياقة تثير غيرة كثيرٍ من الشباب.
صحة واستجمام
على ضفاف بحيرة جنيف التي تتوسط واحدة من أجمل مدن أوروبا، يمكنك أن ترى العديد من المنتجعات التي تعتني بالصحة والاستجمام، لتكتمل الصورة عندما تدرك أن ثقافة الحفاظ على الصحة هي الجميل الذي يرده السويسريون لهذه الطبيعة الخضراء.
منتجع "لاريزرف جنيف" المطل على بحيرة جنيف الخلابة يضيف لمسة من الرقي إلى لوحة رسمت بألوان الجمال الطبيعي الذي يمتد على مسافة كيلومترين مربع حيث يضم 17 حجرة، وبرك سباحة مكشوفة ومغطاة وحمامات بخارية باستخدام أحدث المنتجات في عالم العناية الصحية.
يتخصص المنتجع في المعالجة الطبيعية، لمن يريدون أن يحظوا بجلسات تحفزهم على تبني نمط حياة صحي، بدءا بالنظام الغذائي والنشاط الرياضي الذي يلائم كل شخص على قدر احتياجات جسمه، وانتهاء بجلسات التدليك الصحية.
وتقول خبيرة التغذية الصحية ماريانا هيورتيل لميدل إيست بيزنس إن الوافدين على المنتجع الصحي يستطيعون التمتع ببرامج تصمم خصيصا وبشكل حصري لكل شخص على حدة. كما تتضمن هذه البرامج تقييما طبيا وتقديم استشارات في التغذية الصحية، بالإضافة إلى تعليم الناس كيف يختارون الطعام المناسب لهم وكيفية إعداده.
وترى هيورتيل أن "الأمر يتعلق بتثقيف الناس حتى يغيروا نمط حياتهم، وهو ما يؤدي إلى تحسن صحتهم".
مكافحة الشيخوخة
تحتضن سويسرا نحو 70 مركزا لمكافحة أعراض التقدم في العمر والشيخوخة، وكلها تعمل وفق ثقافة طبية تعتمد في المقام الأول على الوقاية من خلال اتباع نظم حياة صحية.
ومن بين المراكز الرائدة في العالم لمكافحة الشيخوخة، مركز "نيسينز" وهو جزء من مشفى "كلينيك دو جينولييه”. تأسس المركز منذ ما يزيد عن 15 عامًا على يد البرفيسور جاك بروست الرائد في طب الشيخوخة.
ويعتمد "نيسينز" على أحدث النظم الطبية والمخبرية في تقييم الحالات الصحية ووضع خطط علاج ملائمة لكل حالة.
يقول البروفيسور بروست، وهو في العقد السابع من عمره، لميدل إيست بيزنس: "عندما نكبر في العمر تصبح هناك مشكلة في قدرة الخلايا على تجديد نفسها، مما ينتج عنه مظاهر التقدم في العمر.. ما نفعله هنا هو محاولة الحفاظ على الخلايا ومساعدتها على التجديد، فنبطئ من ظهور آثار التقدم في السن".
ويشرح الطبيب آلية العمل داخل المركز الأكثر تقدما في أوروبا بالقول: "نبدأ عملنا بالفحوص المجهرية وتصدر النتائج في اليوم نفسه؛ بفضل مشفى متخصص يحتوي على كافة الإمكانات".
وبعد تحديد عوامل الخطر، يصدر البروفيسور بروست وفريقه الطبي توصيات العلاج والمتابعة.
يضم المركز أجنحة فندقية راقية ملائمة لمن يريدون الإقامة لفترة أطول، على قدر احتياجهم من العناية الصحية. ويعد المركز وجهة مألوفة للمشاهير والشخصيات المهمة في العالم.
بين حقول العنب
على جبل يطل على بحيرة جنيف يقع منتجع لاميرداور كمبنسكي الذي يحتاج الوصول إليه إلى استقلال عربة قطار تصعد المرتفع الأخضر وسط حقول العنب الساحرة.
ويقدم المنتجع بالتعاون مع مركز جفنشي للعناية الشخصية، واحدا من أحدث وأرقى الأساليب الرامية للحفاظ على نشاط الجسم دون تدخل طبي تقليدي.
فالمركز يحتوي على أجهزة تساعد على تخلص الجسم من السموم باستخدام الطاقة المغناطيسية، بالإضافة إلى جهاز يعمل على تنشيط الأعصاب وآخر لعلاج اضطرابات القولون باستخدام الماء النقي فيما يعرف بتنقية "Hydrotherapy".
ويضم المركز خدمات التدليك الصحي باستخدام زيوت ومواد من صنع جفنشي، العلامة التجارية الأشهر في عالم التجميل.
يقول المدير الطبي للمركز؛ الطبيب أمبرالد ديديه لميدل إيست بيزنس إن "العلاجات المستخدمة في المركز تركز على تحفيز خلايا الجسم على تنقية نفسها من السموم".
ويرى ديديه أنه كلما انتبه الناس إلى صحتهم عبر المتابعة والنشاط البدني كلما كانوا أقل عرضة لآثار الزمن على مظهرهم الخارجي ولياقتهم البدنية، خاصة من يقتربون من العقد الخامس.
الطبيعة.. علاج
يسير القطار من جنيف إلى مدينة غوات مخترقا السهول الخضراء في رحلة هدفها بحيرة ثون الواقعة على المحيط الشمالي لجبال الألب، والمحاطة بخلفية مهيبة من الجبال متضمنة إيغر ومونتش ويونغفراو.
تشتهر البحيرة بين الملاحين والمتزلجين على الأمواج الذين يعجبون بالنسيم العليل الذي يسود المنطقة.
ويكفي الجلوس على كرسي في نهار مشمس لكي يسافر النظر على طول الشاطئ الجميل المزين بالقرى الرومانسية والقلاع التاريخية الفخمة المواجهة لقمم الألب.
يستهلم منتجع دلتا بارك المطل على البحيرة الخلابة تلك الأجواء في تقديم الطبيعة كجزء من رؤيته للاستجمام.
ويضم المنتجع مركزا ضخما للتدليك الصحي، وسبا كاملا، به غرف الساونا المعقمة، وجاكوزي ضخم داخل مسبح يعتمد على المياه الكبريتية التي تعالج العديد من المشاكل الجلدية، وهي مفيدة في تحفيز خلايا الجسم على تجديد نفسها.
أطول الأوروبيين أعمارا
بسبب التوعية الصحية وتحسن الخدمات الطبية، زاد متوسط عمر الإنسان في الدول المتقدمة. حيث يبلغ متوسط عمر الفرد في سويسرا 83 عاما، بينما يبلغ في ألمانيا 81، عاما وفي الولايات المتحدة 78 عاما، مما يجعل سويسرا أفضل بلد يحافظ على صحة سكانه.
ويعتمد السويسريون في غالبية طعامهم على الأغذية الطبيعية "الأورغانيك" حيث تتبنى الحكومة سياسة واضحة للاعتماد على المحاصيل التي لا تستخدم فيها الكيماويات.
وبوضع الطبيعة الخضراء إلى جانب النظام الصحي، ومراكز مكافحة الشيخوخة، نستطيع اكتشاف السر وراء الشباب الدائم القابع وسط جبال الألب في سويسرا.
يقول البروفسور بروست: "لا يمكن أن نعود صغارا، لكن يمكننا أن نعيش جميع أعمارنا بصحة جيدة".
التعليقات