وأنا فى مهرجان (قرطاج) السينمائى، فوجئت بخبر رحيل الفنان الكبير نبيل الحلفاوى، لم نكن مع الأسف أصدقاء، وعدد المرات التى تبادلنا فيها الاتصال التليفونى تعد على أصابع اليدين، ولقاءاتنا لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، إلا أنه كان يشكل جزءا لا يستهان به من حياتى الافتراضية، فأنا أتابع كل تدويناته على (تويتر) قبل أن يصبح (إكس)، واستمرت علاقتى به فى هذا العالم الذى لا يمنح عادة النجومية إلا فقط للشباب، الحلفاوى، كان هو الاستثناء، نجم متوج عن جدارة بالملايين من (لايكات) الإعجاب.
بنسبة كبيرة كان الحلفاوى يعبر عن صوت الأغلبية، آراؤه لها صدى جماهيرى ضخم، كما أن انحيازه لنادى الأغلبية (الأهلى)، له مفعول السحر فى زيادة دائرة شعبيته، ولأننى مثله أهلاوى الهوى والهوية، وجدت نفسى حتى فى آرائه عن (الساحرة المستديرة) منحازا إليه.
لا أتذكر أننى حتى عبرت له عن إعجابى به تليفونيا، إلا أننى كثيرا ما أشدت بأدائه الفنى. قبل بضع سنوات، كنت بصدد إعداد كتاب (يحيا يحيى) عن الفخرانى، فقررت أن أضيف فى النهاية فصلا عن الزوج والصديق، كيف ترى زوجة الفخرانى الدكتورة لميس جابر الفخرانى؟، وكيف يرى الصديق الفخرانى؟، وبين العشرات من تلك الدائرة وجدت أن الحلفاوى يحتل مكانة استثنائية فى قلب الفخرانى، فهو أول من قدمه كمحترف على المسرح، والحكاية بدأت عندما كان الحلفاوى بطلا لإحدى المسرحيات وجاءه سفر خارج الحدود، وحتى يوافقوا على الرحلة، كان ينبغى أن يعثر على البديل، قال لهم «شاهدت ممثلا موهوبا يؤدى دورا على مسرح الجامعة فى (كلية الطب)»، وبتلك الخطوة بدأ الفخرانى مشوار الاحتراف، وظلت بينهما الصداقة عقودا من الزمان، وشاركه الحلفاوى فى بطولة مسلسلى (دهشة) و(ونوس)، وكان الفخرانى حريصا على تأكيد أن تلك كانت ترشيحات المخرج شادى الفخرانى، وأنه أبدا لم يتدخل لترشيح صديقه الحلفاوى.
بينى والحلفاوى حكاية لها وجهان؛ فى البداية كنت أرى وجها واحدا سطحيا، ومع الزمن استوعبت الوجه الثانى الأعمق.
الحكاية أنه قبل نحو ٣٠ عاما عندما رشح المخرج يحيى العلمى كلا من نبيل الحلفاوى وأحمد بدير لبطولة مسلسل (الزينى بركات) عن قصة جمال الغيطانى، بعد اعتذار عدد كبير من نجوم الصف الأول، وبعد عرض المسلسل تحقق لهما النجاح الجماهيرى، وأشرت فى مقال نشرته على صفحات روز اليوسف (المجلة)، إلى أن البطلين برغم افتقادهما وهج النجومية فقد نجح المسلسل.
كعادتى فى ذلك الزمن، ووجهت الدعوة لكل فريق العمل لإقامة ندوة داخل نقابة الصحفيين التى تحتفى بالأعمال الناجحة فى رمضان، وحضر نبيل وبدير والعلمى وجمال الغيطانى وآخرون، وفى البداية طلب الحلفاوى الكلمة فقال «كتب الناقد طارق الشناوى أننى لست نجما والآن يدعونى باعتبارى نجما، ولهذا فأنا أعتذر عن استكمال الندوة»، ولم تفلح محاولات العلمى والغيطانى وكاتب هذه السطور فى إعادته للمنصة، مفاجأة بكل المقاييس، واستكملنا الندوة والاحتفاء بفريق العمل وافتقدنا جميعا حضور الحلفاوى.
مع الزمن بدأت أتفهم موقف الحلفاوى، الرجل لا يريد سوى أن يكون نفسه، أغضبته الكلمة برغم توافر حسن النية؛ لأننى أشدت به فى المقال، إلا أنه كان بداخله شىء من الغضب، ولأنه صادق فى مشاعره فلم يشارك الجميع فى الاحتفاء بالمسلسل وهو يشعر بجرح.
ولم يحدث بيننا بعدها أى عتاب، وبدأت مع الزمن أتفهم أن موقفه فى الحياة هو بالضبط موقفه فى الندوة، ولن يكون إنسانا آخر سوى نفسه، كان غاضبا، وأراد التعبير العلنى عن هذا الغضب.
التعليقات