قرأت في الأيام القليلة الماضية عشرات المقالات التي أشادت بمهرجان الجونة السينمائي الذي انطلقت دورته الأولى في واحدة من أجمل الأماكن المصرية بمنتجع "الجونة" على ضفاف البحر الأحمر تحت شعار "سينما من أجل الإنسانية"، لكن أحدهم لم يُشر إلى الأسباب الحقيقية لنجاح المهرجان في دورته الأولى، التي تكاد تخلو من أي أخطاء تستحق أن نتحدث عنها.
وأهم هذه الأسباب يكمن في عقل نجيب ساويرس نفسه مؤسس وداعم المهرجان، والذي سيطر عليه عشقه للسينما، وإيمانه بالدور الحقيقي للسينما والفن في بناء وتأريخ حضارات الشعوب، وريادتها الثقافية، وكان يفكر دائماً خارج الصندوق، ولم يتعامل مع دعمه للسينما بعقلية رجل الأعمال، ولم يُشغله مبدأ المكسب والخسارة كما يفعل بعض السينمائيين أنفسهم، رغم أن هذا قد يكون مبرراً له كرجل أعمال حياته قائمة على المكسب والخسارة، لكن من يعرف نجيب ساويرس جيداً يعلم أنه رجل صعيدي قد يُغامر بحياته ويضحي بثروته في سبيل فكرة يؤمن بها، لذلك اختار أن يكون مهرجان الجونة مستقلاً بعيداً عن أي دعم أو رعاية لأي جهة حكومية معنية أو غير معنية حتى لا تعرقله أي قيود أو أقاويل قد تهدد نجاح المهرجان، وحتى لا يُتهم في نهاية المطاف بالتلاعب بأموال الدولة.
وحتى تكتمل المغامرة الناجحة قرر نجيب ساويرس أن يستعين بفريق عمل من الشباب الذين لم تكن لديهم أي خبرة سابقة بالمهرجانات السينمائية، كما أكد عمرو منسي المدير التنفيذي للمهرجان، أن فريق عمل المهرجان لم يتعد عمرهم الـ 35 سنة والنسبة الأكبر في العشرينيات، وللمرة الأولى في حياتهم يخوضون تلك التجربة، وكأنه أراد أن يقول للعالم "دول شباب مصر الحقيقيين"، وهي رسالة واضحة تؤكد الوقوف خلف الشباب وإعطائهم كامل الثقة دون خوف أو تردد.
ولو استعرضنا بعض الأفلام السينمائية التي أنتجها ساويرس ومنها "الشيخ جاكسون" و"مولانا"، سنجدها مختلفة تماماً على مستوى المضمون والرسالة، وأعتقد أنها ما كانت ترى النور لولا أن وجدت من يؤمن بها كتجارب مختلفة عما هو متداول ورائج، أو على الأقل مختلفة عما يجذب أي منتج سينمائي لإنتاجها، وهذا يُضاف لأسهمه في دعم السينما الحقيقية.
وهناك رسالة أخرى أراد المهرجان أن يُرسلها للعالم عبر الأمن والأمان الذي شعر به الجميع من ضيوف 34 دولة شاركت في المهرجان، وفي مقدمتهم نُقاد وصحفيون وإعلاميون من مختلف دول العالم، ونجوم عالميون أيضاً من بينهم الفنان الأمريكي فورست ويتكر الذي زار الأهرامات وأكد عبر حسابه على تويتر أنها كانت لحظات لا تُنسى.. شكراً مصر"، وأيضاً المخرج العالمي أوليفر ستون، والمغنية والممثلة الأمريكية فانيسا ويليامز، والأمريكيان ديلان مكديرموت، ومايكل مادسون، والنجمة الفرنسية إيمانيول بيغ، وغيرهم في تظاهرة تقول ضمنياً إن مصر بلد الأمن والأمان.
إضافة إلى كل ما سبق يبقى الشعور بالسعادة الذي سيطر على كل من حضر وشارك في مهرجان الجونة السينمائي، وهذه هي رسالة السينما الحقيقة "إسعاد الناس"، ليختتم المهرجان دورته الأولى بأغنية "ثلاث دقات" التي كتبها السيناريست تامر حبيب، وغناها الفنان "أبو" والفنانة يسرا.
وفي الحديث عن مهرجان الجونة السينمائي لابد أن أتحدث عن مدير المهرجان انتشال التميمي الذي يمثل وجوده في المهرجان إضافة حقيقية عبر خبراته ومشاركاته في العديد من المهرجانات السينمائية في مختلف دول العالم، والتي انعكست على اختياره للأفلام المشاركة، التي جعلتنا نتسابق لحجز مقعد في قاعات السينما بالمهرجان.
كلمة أخيرة:
أعتقد أن نجيب ساويرس أراد أن يضرب أربعة عصافير وربما أكثر بحجر واحد تمثل في مهرجان الجونة السينمائي، الأول أن شباب المصريين يحتاجون فقط إلى من يُعطيهم الثقة ويوليهم الدعم، والثاني أن مصر هي بلد الأمن والأمان، والثالث أن الترويج للسياحة في مصر لن ينجح بالعضلات بل يحتاج فقط إلى فكر خارج الصندوق، والرابع أن السينما في مصر تفتقد إلى من يُحبها بإخلاص، ويدعمها لا من يُتاجر بها.
محمد منير
رئيس التحرير
التعليقات