رحل عن عالمنا اليوم الجمعة، الدكتور فتحي هاشم، البطل الذي أنقذ رمزاً أدبياً عظيماً، بعدما عاش متواضعاً في الظل، لكن أثره سيظل مضيئاً في تاريخ الأدب المصري.
إنقاذ نجيب محفوظ
اشتهر الدكتور محمد فتحي محمد هاشم، مواليد 1930، بإنقاذه للأديب العالمي نجيب محفوظ بعد تعرضه لمحاولة اغتيال في 14 أكتوبر 1994، حيث قام هاشم بإسعاف محفوظ بعد أن تعرض لطعنة في رقبته من قبل شاب متطرف، وساهمت سرعة تدخل الطبيب في إنقاذ حياة الأديب الكبير.
وفاة منقذ نجيب محفوظ
كتب الصحفي سيد محمود عن وفاة الدكتور فتحي هاشم، قائلاً: "انتقل إلى رحمة الله تعالى اليوم الدكتور فتحي هاشم، والد الزميل العزيز رامي بالأهرام إبدو، هو الرجل الذي أنقذ نجيب محفوظ في لحظة حاسمة، فقد كان بجواره في السيارة عند محاولة اغتياله ونقله على الفور إلى مستشفى الشرطة، مساهماً بوعيه الطبي في إنقاذه".
وأضاف محمود: "كان أحد أشد تلاميذ محفوظ إخلاصاً. عرفته في صالون الأستاذ سعيد عيد، ولم أقصده في شيء يخص نجيب محفوظ إلا وتحمس له. حتى في مايو الماضي، رغم تراجع حالته الصحية، استجاب لدعوة لتصوير وثائقي حول صحبته لنجيب محفوظ، حيث أضاءت سيرة محفوظ ذاكرته واستدعت فصولاً من المحبة الخالصة".
ذكريات مع نجيب محفوظ
وتابع محمود قائلاً: "حدثني هاشم عن رحلة رافق فيها نجيب محفوظ إلى الإسكندرية، وكيف اندهش مما أصاب الطريق من تغييرات. كما تحدث عن لقاء جمعه بعد سنوات من محاولة الاغتيال بوالد الشاب الذي حاول قتل محفوظ، وكيف تعاطف معه وأدرك السبب الحقيقي للإرهاب. كما روى لي واقعة نصب تعرض لها نجيب محفوظ، استهدفت جزءاً من القيمة المالية لجائزة نوبل".
نهاية مسيرة في الظل
اختتم محمود كلماته قائلاً: "عاش فتحي هاشم في الظل بكل رضا، وأورث ابنه التسامح والمحبة الغامرة للناس. لأجل هؤلاء تهون كافة مصاعب الحياة، لأن دروسهم تبقى. ألف رحمة ونور على روحه، وخالص العزاء للصديق رامي هاشم".
تحدث فتحي هاشم في أحد لقاءته ما حدث قبل أكثر من 28 عاما ويقول: تعودت أن أذهب إلى بيت الأستاذ "نجيب محفوظ" قبل الخامسة بقليل من كل يوم جمعة فأقف بسيارتى أمام باب منزل الأستاذ، وبعدها مباشرة أراه قادما فأنزل من السيارة وأفتح له بابها الأمامى ليجلس بجوارى لأنطلق به إلى كازينو قصر النيل، حيث ندوته الشهيرة التى كانت ملتقى ثقافيا عظيما لأحبائه ومريديه وكنت واحدا من روادها.. فى ذلك اليوم العصيب أوقفت السيارة وظهر الأستاذ فنزلت منها لأفتح له الباب الأمامى كالعادة ولم ألاحظ شيئا غير عادي، وفتحت باب السيارة وجلس الأستاذ فأغلقته وتوجهت إلى الناحية الأخرى لأجلس على مقعد السائق، وبمجرد جلوسى سمعت الأستاذ يصرخ بصوت خفيض وتخرج منه آهة مكتومة وتلفت سريعا فإذا بشاب فى أوائل العشرينات يجرى مسرعا وأدركت أنه طعن الأستاذ نجيب، ففتحت باب السيارة بسرعة وجريت بكل قوتى خلفه وأنا أصرخ "امسكوا المجرم ده. ضرب الأستاذ نجيب محفوظ وكان "الشاب المتطرف يجرى بسرعة رهيبة وأنا وراءه وأدركت العناية الإلهية الأستاذ نجيب حين سمعت صوت رجل واقف على الرصيف يقول هو الأستاذ نجيب فين فتنبهت للخطر وقلت لنفسى الأهم الآن إنقاذ الأستاذ واستدرت بسرعة وعدت بأقصى سرعة أيضا للسيارة، وكانت الطعنة فى جانب رقبة الأستاذ الأيمن فنزعت المطواة وطوقت عنقه بذراعى اليمنى وكتمت الجرح النازف بيدى وقدت السيارة للوراء بيدى اليسرى بسرعة شديدة ولأن الطريق لمستشفى الشرطة كان فى الاتجاه المعاكس قلت لرجل المرور الموجود وقتها: أرجوك أغلق الاشارة فورا الأستاذ نجيب محفوظ طُعن بمطواة ولازم أوصله مستشفى الشرطة بسرعة، وحين وصلنا المستشفى ودخلت بالسيارة من باب الطوارئ قلت للأستاذ ما تخافش يا أستاذ فجاءنى صوته وكله شعور بالامتنان يقول لي: ما أخافش وأنا معاك.. وقابلنى على باب المستشفى طبيب يرتدى البالطو الأبيض قال لي: "فيه إيه" فأجبته بانفعال شديد "الأستاذ نجيب محفوظ انضرب بمطواة" فين غرفة العمليات وبالفعل صعدنا إلى غرفة العمليات وبدأ الأطباء يتعاملون مع الجرح والنزيف بمنتهى السرعة والمهارة.
نجيب محفوظ في غرفة العمليات
أضاف فتحى هاشم: اللافت جدا أن الأستاذ وهو يدخل إلى غرفة العمليات قال: فتحى عامل إيه طمنونى عليه فقلت له: أنا كويس يا أستاذ أهم شىء سلامتك وبسيطة إن شاء الله ما تخافش.. فقال مرة أخرى بكل محبة وامتنان وكأنه يشكرنى على سرعة تصرفى مع الموقف: أنا أخاف وأنا معاك؟ ثم نظر لى وقال بصوت مسموع وواضح: قل لهم إنى عندى سكر يا فتحي..
وأكمل: بعد أن دخل الأستاذ غرفة العمليات وأنا أنزل على سلالم المستشفى فوجئت بممرضة من الواضح أنها كانت مثققفة ونابهة تقول: المتطرفون اختاروا ذكرى فوز الأستاذ نجيب بنوبل علشان يضربوه.. ثم وبضحكة ممرورة يواصل هاشم: بعد أن دخل الأستاذ غرفة العمليات جاء ضابط من مديرية أمن الجيزة ليحرر محضرا بالواقعة وكتب فى بداية المحضر "حضر السيد محمد فتحى محمد هاشم مصطحبا الأستاذ نجيب محفوظ مدعيا بأن شخصا طعنه بمطواة" وبمجرد أن قرأت هذه السطور صرخت فى وجهه: يعنى إيه مدعيا دى هو أنا بألف يعني، فنظر لى قائلا كلاما غريبا استهجنته تماما قال مش جايز تكون حصلت خناقة بين الأدباء وتطورت بينهم مناقشة معينة وصلت لهذ العمل الجنائى فنظرت إليه غاضبا وقلت له: علشان تريحوا نفسكم وتريحونا أكيد اللى طعن الأستاذ نجيب ينتمى إلى نفس المتطرفين الذين اغتالوا فرج فودة دوروا هاتلاقوه من ضمن الجماعة اللى اغتالت فرج فودة.. وحين نزلت إلى الاستقبال وجدت السيدة عطية الله زوجة الأستاذ فسألتني: فيه إيه؟ فأجبتها مفيش حاجة اطمنى ووجدت بجانبها الأستاذ ثروت أباظة يجهش بالبكاء وكأنه طفل صغير ويسالنى بلهفة عن حالة الأستاذ فطمأنته".
التعليقات