لو لم يحقق هذا المسلسل كل هذا النجاح، لأصبح العنوان مادة جاهزة للسخرية من كل من شارك فيه، إلا أنه واقعيًّا «أعلى نسبة مشاهدة» حقق أعلى نسبة مشاهدة، وصار العنوان تتويجًا له. ارتبط شهر رمضان على مدى أكثر من ستين عامًا- عمر التليفزيون المصرى- بتقديم نجوم جدد يلمعون فى رمضان عبر الشاشة الصغيرة، وهو ما نشاهده الآن بكثرة، الجديد واللافت والرائع أيضًا هذا العام، هو أن تحمل لنا الدراما التليفزيونية نجمتين قادمتين بقوة هما المخرجة ياسمين أحمد كامل، والكاتبة سمر طاهر.
بداية من اختياره للفكرة التى يتحمس لها، فما بالك أن ياسمين أيضًا صاحبة الفكرة، تسكين أدوار الممثلين، وهو سلاح فعال لتحقيق النجاح، كان المخرج الكبير صلاح أبو سيف يقول لى إن 50 فى المائة من طاقته تتوجه إلى إسناد الدور للممثل المبدع، قطعًا عين المخرج أثناء الأداء تعتبر (ترمومتر) ضبط الانفعالات، وصياغة الهارمونية بين كل المشاركين، حيث رسم الجو العام للعمل الفنى بكل التفاصيل الديكور والإضاءة والتقطيع الفنى وضبط الإيقاع، ونجحت ياسمين فى تحقيق كل ذلك، قطعًا السيناريو العصرى الرائع الذى صاغته باقتدار سمر طاهر.
يرسم شخصيات متعددة الجوانب والصراعات وأيضًا التناقضات، وحرصت الكاتبة على أن تبتعد تمامًا عن (الكليشيهات) المعتادة، وهى آفة الدراما بكل أطيافها سينما مسرح تليفزيون، وتعوّد العديد من الكتاب عندما يطلون على البيئة الشعبية أن يقتاتوا على بقايا أدب نجيب محفوظ وبقايا دراما أسامة أنور عكاشة، مع إضافة (تحابيش) أخرى. ونكتشف أننا نتابع شخصيات أرشيفية، بينما ما قدمته سمر يحمل قدرًا معتبرًا من المصداقية، لأنها تلتقط بعينيها وتكتب بأصابعها، وتعيش مع وجدانها، ممزوجًا بالعصر الذى نعيشه. بين الكاتبة والمخرجة قدر من الهارمونية، تنضح به الشاشة.
وملامح الشخصيات من فرط صدقها، تبدو وكأنها فرضت وجودها، مثلًا محمد محمود يشعرنى وكأنه جاء فجأة من زمن سحيق، فصار هدفًا للكثيرين، وهو ممثل متعدد الأنغام، الدور منح محمد محمود فرصة للتعبير والتحليق، الرائعة انتصار والمخضرمة إنعام سالوسة والعائدة للساحة فرح يوسف، ومحمد حاتم، وأعجبنى الممثل الجديد أمجد الحجار والكوميديان التلقائى الفطرى إسلام إبراهيم لأنه يمثل الدور بكل تفاصيله.
فرضت الدراما بطلتين فى مطلع العشرينيات، وهكذا جاءت سلمى أبوضيف وليلى أحمد زاهر،، حالة خاصة فى الإبداع، أرى سلمى قادمة بقوة لتحتل المقدمة، فهى آخر صيحة فى فن أداء الممثل، حضور طاغٍ وضبط لجرعة التعبير، قطعًا ليلى زاهر ممثلة موهوبة، وهى من هؤلاء الذين أتيحت لهم الفرصة فى البداية لأنها ابنة فنان، ولكنها أكملت لأنها موهوبة، فقط مفتاح الأداء لشخصية ابنة البلد، كان بحاجة أن يهبط درجة، وتلك مسؤولية مشتركة مع المخرجة.
العمل الدرامى يلتقط ما نعايشه من اللهاث وراء أعلى نسبة مشاهدة، بكل أبعادها وما أدت إليه فى المجتمع من جرائم وحماقات، وصارت عند البعض أقرب إلى إدمان، لتحقيق (التريند)، الذى أصبح مورد رزق سخيًّا ومضمونًا، وهكذا تكتشف أن العديد من المسلسلات توقفت أمام ما يجرى عبر (السوشيال ميديا)، ولكن «أعلى نسبة مشاهدة» اعتبرها قضيته الرئيسية، فى (التتر) صوت شعبى لـ بوسى تردد (الدنيا خلاص ماشية تريندات.. فضايحنا تجيب أعلى مشاهدات)، المقدمة تقول كل شىء، كنت أفضل أن تهمس الكلمات بروح الحكاية ولا تروى الحكاية، توظيف قطعًا جيد لصوت بوسى، ولكن بكلمات يجب أن تحمل فقط ظل الفكرة وليست كل الفكرة، تقدم لنا الكلمة الحرف الأول، وليس كل حروف (الأبجدية).
مسلسل رائع واستثنائى، وخرجنا بعد المشاهدة،وقد اكتشفنا موهبتان تستحقان الرهان بقوة فى كل ما هو قادم، المخرجة ياسمين أحمد كمال والكاتبة سمر طاهر !!
التعليقات