تابعت اليومين السابقين مسلسل من نوع فريد ومختلف بشكل أخّاذ. مسلسل "حالة خاصة"، هو بالفعل حالة شديدة الخصوصية للدراما المصرية.
نبدأ بالقصة العبقرية لمؤلفها "مهاب طارق". القلم الرشيق يرفع صاحبه إلى السماء وكذلك فعل المؤلف العبقري بأن وضع يده على موضوع في غاية الأهمية ألا وهو التوحد. عالج المؤلف الوجع المؤلم بالأمل الذي يستجلب الحياة ويستجيب لها. ال twist وال flash back في القصة ينم عن حرفية شديدة.
حياتنا مثل العجين يأخذ الشكل الذي تصنعه أيدينا فلا تتعجب من ولادة عبقري يبزغ من رحم المعاناة.
المخرج "عبد العزيز الجنايني"، استطاع بحرفية شديدة اختيار ممثلين شباب في رأيي المتواضع سيكونون فطاحل السينما المصرية.
نبدأ بالممثل الشاب حديث العمر "طه دسوقي" مواليد ١٩٩٢. استطاع هذا العبقري أن يأخذنا لناصية التصديق.
الفن رؤية والتمثيل محاكاة للحياة، هذا الشاب الجميل سيأخذك إلى عالمه دون أن تشعر. من أول مشهد تترك بيتك وحياتك وتذهب لتعيش في عالمه الخاص عالم مليء بالتحدي بالصبر عالم الفعل والشعور والبراءة.
من أهم ما يضفي العبقرية على الممثل هو أنه يجعلك تشعر دون أن يتحدث، تعمل حواسه وعينيه ولغة جسده على استثارة عقلك ومشاعرك وتفكيرك، يستطيع أن يجعلك تتألم وتفرح وتضحك دون أن يتحدث.
لقد أعلن "نديم" عن مولد ممثل مصري قادر للوصول للعالمية ولم يتعدى عمر أعماله الفنية بضع سنوات قليلة لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة.
"رام الله" ... ممثلة شابة شديدة الجمال والجاذبية "هاجر السراج"، لكن سر انجذابك إليها سيكون من خلال الصدق الذي تؤدي به.
ستكون الحكم الفيصل لرؤية التحول من شخص يعاني من trauma حقيقية، لديها أزمة ثقة عمياء وإحساس لا متناهي بالخواء والضعف إلى آخر أكثر جمالا.
صديقي إن العبرة ليست بكم نحن جيدين أو سيئين، لكنها بالقدرة على التحول من شخص سيء لآخر هضم المعاناة وحولها بداخلها لتجربة علمته جودة العيش والقدرة على التميز وحسن الأختيار.
يأتي دور "غادة عادل"، المحامية ذات الشخصية الطاغية، لو كان هذا أول وآخر أدوارها في الدراما المصرية لكفاها.
جسدت بقوة مشاعر مختلفة لمعاناة امرأة قوية الشخصية تزوجت من وغد وضيع. استطاعت غادة أن تنقل لك مشاعر إمرأة جريحة دون أن تتحدث.. الألم يمكن أن يختفي تماما بداخلك، لكن وجهك هو المرآة الوحيدة الذي يمكن أن يظهره.
الزوج الندل "ياسر"، الذي استطاع بأريحية شديدة أن يجعلك تكرهه. "أحمد طارق"، ممثل شديد التميز يذكرني بالممثل الراحل "هشام سليم". استطاع أن يوظف وسامته الملحوظة ليجعل الدور يليق بقدراته الفنية المميزة.
إن أقبح الذنوب في نظري هي الخيانة، والخيانة الغير مبررة هي مُوَلِد الشخصية الدميمة.
المحامي المتسلق "عز" أو الممثل المحترف "حسن أبو الروس". نعم إنه زمن المتسلقين صاحبوا الإطراء الزائف والوصولية والضمير الذي أصابه التنميل.
من خلال حلقات المسلسل يَتَكَشف لك أنه حتى بعض النفوس التي تبدو دنيئة يمكنها أن تجعلك تتعاطف مع أصحابها وتلتمس لهم بعض العذر وتتمنى أن تتحول أحلامك فيهم لرؤية تحتمل التغيير والتطور.
يأتي دور "عم جميل"، هذا الأب أو الجد الذي نحتاج دوره في حياتنا، نحتاج من يطبب القلوب ويطبطب عليها، من يمسح رؤوسنا ويربت على أكتافنا، من يدعمك في دنياك وهو يسقط عنك التواكل.
"نبيل علي ماهر" والذي أبكاني فراقه كما أسعدني حضوره في دنيانا.
يا ليت الحياة تذخر بكثير من أمثال عم جميل، فمهما بلغنا من العمر نحتاجه احتياج الماء الذي يسري في العروق.
كل الوجوه الشابة الجميلة التي رأيتها في هذا العمل الدرامي تستحق التحية والتقدير وتتنبأ بمستقبل واعد للسينما المصرية.
أما الماء الذي يتخلل مسام العجين ليجود تشكيله، كانت الموسيقى التصويرية للموسيقار بديع الإنتاج "هاني شنودة". هذا العبقري الذي عاد بقوة على ساحة الموسيقى التصويرية للمسلسلات المصرية وهو يذكرنا بروائعه من خلال فرقة المصريين.
تحية للمخرج الشاب "عبد العزيز النجار" والمنتج "طارق الجنايني". مثل هؤلاء يدعمون الفكرة والمبدأ والجودة، نبل الهدف والاحتراف.
عمل هادف خالي من العري والتفاهة والإسفاف. مثل تلك الأعمال قادرة على توجيه وتغيير رؤية المجتمع تجاه مشكلاته، وهذا هو الهدف الأسمى للفن.
القصور ليس في الإصابة بالمرض، نحن من نصنع معاناة هؤلاء الأبطال.
نحن من نعيش حياتنا من خلال قدرات وهبنا الله إياها وحرم البعض منها لحكمته. نحن من نتنصل منهم ونحرمهم حقوقهم المشروعة في حياة زاخرة بالعطاء.
عمل درامي استطاع أن يشخص ويسرد ويحاكي الحقيقة ويضع خطوط واضحة في روشتة العلاج.
أعدكم بكامل الانتباه وأنتم تشاهدون الحلقات.
كل الكلمات التي تجعل حياتنا أفضل ولها معنى وهدف، كل الكلمات التي تستدعي الهمة، كل الكلمات التي تضع الحلول وتكشف العريّ النفسي هي كلمات وسطور تستحق الخلود.
من أجل ذلك خلق القلم وبذلك تبقى القوى الناعمة على رأس مصر شاهدة على قدرة المصريين.
التعليقات