يعتبر السد العالي أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين من الناحية المعمارية؛ والهندسية متفوقا في ذلك على مشاريع عالمية عملاقة أخرى.
أقيم السد العالي لحماية مصر من الفيضانات العالية التي كانت تفيض على البلاد وتغرق مساحات واسعة فيها، والحفاظ على المياه التي تضيع هدرا في البحر المتوسط.
أدرك المصريون أهمية النيل منذ أقدم العصور، فأقيمت مشروعات التخزين السنوي مثل خزان أسوان وخزان جبل الأولياء على النيل للتحكم في إيراد النهر المتغير، كما أُقيمت القناطر على النيل لتنظيم الري على أحباس النهر المختلفة، إلا أن التخزين السنوي لم يكن إلا علاجًا جزئيًا لضبط النيل والسيطرة عليه.
فإيراد النهر يختلف اختلافا كبيرا من عام إلى آخر إذ قد يصل إلى نحو 151 مليار متر مكعب أو يهبط إلى 42 مليار متر مكعب سنويا، وهذا التفاوت الكبير من عام لآخر يجعل الاعتماد على التخزين السنوي أمرا بالغ الخطورة حيث يمكن أن يعرض الأراضي الزراعية للبوار وذلك في السنوات ذات الإيراد المنخفض.
لذلك اتجه التفكير إلى إنشاء سد ضخم على النيل لتخزين المياه في السنوات ذات الإيراد العالي لاستخدامها في السنوات ذات الإيراد المنخفض، فكان إنشاء السد العالي أول مشروع للتخزين المستمر على مستوى دول الحوض يتم تنفيذه داخل الحدود المصرية.
تقدم المهندس المصري اليوناني الأصل، أدريان دانينوس إلي قيادة ثورة 1952 بمشروع لبناء سد ضخم عند أسوان لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه وتوليد طاقة كهربائية منه.
بدأت الدراسات في 18 أكتوبر 1952، بناء على قرار مجلس قيادة ثورة 1952 من قبل وزارة الأشغال العمومية (وزارة الري والموارد المائية حاليا) وسلاح المهندسين بالجيش ومجموعة منتقاة من أساتذة الجامعات حيث استقر الرأي علي أن المشروع قادر علي توفير احتياجات مصر المائية.
في أوائل عام 1954 تقدمت شركتان هندسيتان من ألمانيا بتصميم للمشروع، قامت لجنة دولية بمراجعة هذا التصميم وأقرته في ديسمبر 1954 كما تم وضع مواصفات وشروط التنفيذ.
طلبت مصر من البنك الدولي تمويل المشروع، وبعد دراسات مستفيضة للمشروع أقر البنك الدولي جدوى المشروع فنيًا واقتصاديًا. في ديسمبر 1955 تقدم البنك الدولي بعرض لتقديم معونة بما يساوي ربع تكاليف إنشاء السد. سحب البنك الدولي عرضه في 19/7/1956 بسبب الضغوط الاستعمارية.
في 27/12/1958 تم توقيع اتفاقية بين روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقا) ؛ومصر لإقراض مصر 400 مليون روبل لتنفيذ المرحلة الأولي من السد. في مايو 1959 قام الخبراء السوفييت بمراجعة تصميم واقترحوا بعض التحويرات الطفيفة التي كان أهمها تغيير موقع محطة القوي واستخدام تقنية خاصة في غسيل وضم الرمال عند استخدامها في بناء جسم السد.
في ديسمبر 1959 تم توقيع اتفاقية توزيع مياه خزان السد بين مصر والسودان. بدأ العمل في تنفيذ المرحلة الأولي من السد في 9 يناير 1960 وشملت حفر قناة التحويل والأنفاق وتبطينها بالخرسانة المسلحة وصب أساسات محطة الكهرباء وبناء السد حتى منسوب 130 مترا.
في 27 أغسطس 1960 تم التوقيع على الاتفاقية الثانية مع روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقا) لإقراض مصر 500 مليون روبل إضافية لتمويل المرحلة الثانية من السد.
في منتصف مايو 1964 ؛تم تحويل مياه النهر إلى قناة التحويل والأنفاق وإقفال مجري النيل والبدء في تخزين المياه بالبحيرة.
في المرحلة الثانية تم الاستمرار في بناء جسم السد حتى نهايته وإتمام بناء محطة الكهرباء وتركيب التوربينات وتشغيلها مع إقامة محطات المحولات وخطوط نقل الكهرباء.
انطلقت الشرارة الأولي من محطة كهرباء السد العالي في أكتوبر 1967 بدأ تخزين المياه بالكامل أمام السد العالي منذ عام 1968 في منتصف يوليو 1970 اكتمل صرح المشروع؛ في 15 يناير 1971، تم الاحتفال بافتتاح السد العالي.
صمم السد العالي بحيث يكون أقصي منسوب للمياه المحجوزة أمامه 183 مترا .
تم تنفيذ مفيض لتصريف مياه البحيرة إذا ارتفع منسوبها عن أقصي منسوب مقرر للتخزين وهو 183 مترا، ويقع هذا المفيض على بعد 2 كيلومتر غرب السد في منطقة بها منخفض طبيعي منحدر نحو مجري النيل حيث يسمح بمرور 200 مليون متر مكعب في اليوم.
تم إنشاء مفيض توشكي في نهاية عام 1981 لوقاية البلاد من أخطار الفيضانات العالية ؛وما يمكن أن يسببه إطلاق المياه بتصرفات كبيرة في مجري النهر.
حيث يتم تصريف المياه – إذا زاد منسوبها أمام السد العالي عن 178 مترا- من خلال مفيض توشكي إلى منخفض يقع في الصحراء الغربية؛ جنوب السد العالي بحوالي 250 كيلومترا وهو منخفض توشكي.
دخلت المياه إلى مفيض توشكي لأول مرة في 15 نوفمبر 1996 حيث وصل منسوب المياه أمام السد العالي إلى 178.55 مترا.
تقع محطة الكهرباء على الضفة الشرقية للنيل معترضة مجري قناة التحويل التي تنساب منها المياه إلى التوربينات ؛من خلال ستة أنفاق مزودة ببوابات للتحكم في المياه بالإضافة إلى حواجز للأعشاب.
تنتج محطة الكهرباء طاقة كهربائية تصل إلى 10 مليار كيلو وات ساعة سنويا.تكون المياه المحجوزة أمام السد بحيرة صناعية هائلة طولها 500 كيلومتر؛ ومتوسط عرضها 12 كيلومترا حيث تغطي النوبة المصرية بأكملها وجزءا من النوبة السودانية بلغ إجمالي التكاليف الكلية لمشروع السد العالي حوالي 450 مليون جنيها، كما بلغت تكاليف إنشاء مفيض توشكي حوالي 42 مليون جنيها.
حمي السد العالي مصر من كوارث الجفاف والمجاعات نتيجة للفيضانات المتعاقبة شحيحة الإيراد في الفترة من 1979 إلي 1987 ؛حيث تم سحب ما يقرب من 70 مليار متر مكعب من المخزون ببحيرة السد العالي لتعويض العجز السنوي في الإيراد الطبيعي لنهر النيل.
حمي السد العالي مصر من أخطار الفيضانات العالية التي حدثت في الفترة من 1998 إلى 2002، فلولا وجود السد العالي لهلك الحرث والنسل ولتكبدت الدولة نفقات طائلة في مقاومة هذه الفيضانات وإزالة آثارها المدمرة.
دور السد العالي في التنمية الزراعية والصناعية واستصلاح الأراضي وزيادة الرقعة الزراعية وتحويل الري الحوضي إلى ري مستديم وزيادة الانتاج الزراعي ؛ والتوسع في زراعة الأرز وتوليد طاقة كهربائية تستخدم في إدارة المصانع وإنارة المدن والقري.
وضمان التشغيل الكامل المنتظم لمحطة خزان أسوان بتوفير منسوب ثابت علي مدار السنة وزيادة الثروة السمكية؛ عن طريق بحيرة السد العالي وتحسين الملاحة النهرية طوال العام.
التعليقات