عندما كان يسافر إلى المنصورة لكى يلتقى عشيقته وملهمته «فردوس»، كان أهل الحتة يزفونه قائلين: (مجنون فردوس).
فى نهاية الثلاثينيات وحتى عام 1948، لم تكن الدعارة يجرمها القانون، وتمنح وزارة الداخلية تصاريح لممارسة أقدم مهنة فى التاريخ.. فقط، تشترط اجتياز الاختبار الصحى، الذى يؤكد عدم إصابة العاهرة بأى مرض جنسى، مثل: (الزهرى والسيلان)، قبل أن يكتشف العالم فيروس (الإيدز).. المجتمع له أسلحته فى الفضح ويُجرّس من يمارس هذا الفعل، إلا أن القانون فى النهاية يحمى الجميع.
أتحدث عن الموسيقار الكبير محمود الشريف، الذى عانى الكثير من الظلم والتعتيم الإعلامى، وتم اختصار تاريخه فى أنه الرجل الذى تزوج أم كلثوم.
ارتباطه بعقد زواج من أم كلثوم هل كان شائعة أم حقيقة؟.. المؤكد «هناك خطوبة معلنة ودبلتين»: واحدة مكتوب عليها (لا الله إلا الله) والثانية (محمد رسول الله).
الشريف «فى مذكراته التى قدمتها عنه فى كتاب (أنا والعذاب وأم كلثوم)» لم يذكر إجابة قاطعة، وإن كان الأقرب للمنطق أنه فى عام 1946 بعد إعلان الخطبة رسميا على صفحات جريدة (أخبار اليوم) وبقلم مصطفى أمين، كان بينهما عقد عرفى، والزواج العرفى فى تلك السنوات كان يلقى ترحابًا اجتماعيًا، ولو عدنا لفيلم أم كلثوم (فاطمة)، سنتأكد أن براءة أم كلثوم وشرفها كان معلقا على تلك الورقة التى جمعتها بأنور وجدى.
سألت الشريف: هل كانت أم كلثوم هى حبه الكبير؟، أجابنى: أشهر قصة حب على خريطة حياتى، إلا أنها ليست أصدقها.. ولم تقدم له بعدها ألحانا، حتى لا تستعيد الصحافة تلك السنوات من الأرشيف.
قال الشريف فى إحدى الليالى التى جمعتنا - أنا وهو والصدق ثالثنا - إنه لم يحب أم كلثوم كامرأة قدر حبه لها كمطربة، كان وهو مرتبط عاطفيًا بأم كلثوم، عندما يمسك بالعود ويجد النغمة مستعصية، يغادر فيلا أم كلثوم متجهًا إلى المنصورة، حيث تقطن عشيقته فردوس فوق سطح أحد البيوت، لكى تلهمه الأنغام العصيّة مثل: (أبو العيون السود) أو (على شط بحر الهوى) أو (لما رمتنا العين)!.
فردوس الغانية التقى بها محمود الشريف فى فترة انتقاله بين القاهرة والإسكندرية نهاية العشرينيات ومطلع الثلاثينيات، ولمح الشريف بقعة مضيئة داخل فردوس التى قطعت علاقتها بحياة الليل، ولهذا أطلق عليه أهل الحارة التى تقطن بها (مجنون فردوس)!.
كانت أم كلثوم هى أعظم صوت خلقه الله، وتمنى أن يلحن لها. أما عن مشاعر أم كلثوم، فلقد روت لمحمود- كما حكى لى- أن الحب منذ تلك اللحظة قد عرف طريقه إليها، وأن قلبها ردد أول لحن عاطفى بعد أن ظل طوال هذه السنوات صامتًا عن الغناء، كانت تغنى للناس عن الحب، لكنها لم تعش أنغامه إلا عندما التقت الشريف، وهكذا لحن لها (شمس الأصيل) وظل حتى رحيله محتفظًا بكلمات الأغنية بخط يدها، وبعد فسح الخطوبة، ألقى الشريط الذى أبدع عليه اللحن من شرفة منزله بالطابق التاسع من عمارة (ستراند) بباب اللوق، والأغنية الذى نسمعها الآن تلحين رياض السنباطى، ولم ينكر أبدا الشريف جمال لحن السنباطى!.
سألت محمود الشريف فى مطلع الثمانينيات بعد رحيل أم كلثوم: إذا التقيت بها فى العالم الآخر، ما الذى تقوله لها؟.. قال: سوف ألومها لأنها لم تتوجه للمسرح الغنائى، فهو الخلود الفنى الحقيقى، وتوقع الشريف أن ترد عليه: (عندك حق يا محمود)!.
هذه هى حكاية الشريف و«ثومة» كما رواها لى، والتى سجل بعضها بقلمه وتناقلت بعض وقائعها قصاصات من الصحف، والتى كثفها فى تلك الكلمات: (لم تكن قصتى مع أم كلثوم حكاية الشاطر حسن وست الحسن والجمال، ولكنها مأساة.. ولكن أكثر الناس لا يعلمون)!.
لماذا أذكر ذلك الآن؟، لأن (السوشيال ميديا) مليئة بحكايات كثيرة تستند إلى معلومات (مضروبة)، مثلا أن أم كلثوم تزوجت الكاتب الكبير مصطفى أمين، وأنه هو الذى أفسد زواجها من الشريف، ربما فعلا لم يكن راضيا عن زواجها بالشريف، إلا أنه لم يتزوج أم كلثوم، والمطربة الوحيدة التى تزوجها هى شادية.
وعندما تم اقتحام مكتبه فى (أخبار اليوم) أثناء التحقيق معه عام 1964، وجدوا وثيقة زواجه العرفى من شادية، بينما أشارت الصحف إلى زواجه من مطربة، ولم تحدد الاسم، فاعتقدوا أنها أم كلثوم.
التعليقات