على ما يبدو نحن نشبه آباءنا إلى حد بعيد.
لقد أصبحت عادتي مثل أبي رحمه الله أن أركب القطار متأخرة جدًا ...
أصبحت أصل للمحطة بعد التاسعة صباحًا وأعدو في سباق حقيقي مع الوقت كي ألحق به قبل أن يغادر. أراهن على بضع دقائق قليلة يتأخر فيها القطار لأقذف بجسدي داخل أول عربة تقابلني.
المصريين شعب جميل، الماراثون الذي اقطعه كل أسبوع يثبت لي ذلك.
آخذها جري من منزل كوبري أكتوبر، فيبدأ توسيع الطريق وتجنيب الحقائب ثم دخولي بلا تفتيش لأن القطار يغادر، فتح البوابات الإلكترونية بسرعة الصاروخ، وهناك من يكون من الذكاء أن يتنبأ برقم القطار ويسارع في توجيهي للرصيف المناسب.
ينفتح الطريق أمامي وأنا كالماء الهادر يشق طريقه بين أكتاف البشر. ثم عند أول عربة من القطار يسارع الجميع في نَفَس واحد "اركبي"!
لا أعرف أي هدوء أصبح يلازمني وأنا أنظر لساعتي وقد تجاوزت الثامنة والنصف وقطاري يغادر التاسعة، ولازلت على أعتاب التجمع الخامس ولا يزال الطريق طويلا إلى محطة رمسيس مرورًا بمضيق كوبري أكتوبر الطويل.
كنت أصل لمحطة القطار قبل أن يدخل القطار على الرصيف بنصف ساعة.
لقد بِتُّ مختلفة، كنت دومًا أقول لنفسي أنا الذي ينتظر القطار، فهو لن ينتظرني!
كل أسبوع أكرر ذلك وبداخلي من السكينة التي تمنعني من التوتر وحسن ظن غريب بأن الأرض ستطوى وأصل في موعدي … وهذا ما يحدث!
إن هنالك من الأشياء في دنيانا ما يجب أن نسقط عن عمد ما يصاحبها من القلق، أشياء لا تستحق أن نهدر عليها صحة غالية. وهناك من البشر من يستحق أن نحارب من أجلهم، أن ندخر كل جهدنا وقوتنا من أجل الحفاظ عليهم ومساندتهم.
لقد كنت أُفضل انتظار القطار؛ اليوم القطار ينتظرني!
ونعم أنا استجلب رزقي في كل مرة أحدث نفسي بأنني سألحق به وأفعل.
لقد علمتني تلك التجربة البسيطة أن انتقي أي الأبواب التي تستحق قلقي وأيها يستحق حضوري.
الوقت المتبقي لنعيشه في نظري أهم من كل السنوات التي مضت من عمرنا، والشخص الذي لديه فكرة خاطئة عن الحياة تتشوه معرفته عن الموت.
كل مرحلة من عمرك تكسبك بعض من الخبرات التي قد تخالف شخصيتك وتوقعاتك عن نفسك.
لعل من أفضل عاداتي أني روضت روحي لترك أكثر مشكلاتي صعوبة بين يدي الله يوجهني من خلال علامات أصبحت أعرفها جيدًا، فلن يعنيني أن أنتظر قطارًا آخر إن فاتني يومًا أحدهم.
صديقي … هذه ليست دعوة كي تتأخر عن موعد قطارك، لكنها دعوة لتتعلم من كل التجارب، أن تجازف ليَتَحقق لك كل غير متوقع، أن تُغَيّر بوصلة تفكيرك، أن تجعل كل المواقف تعمل لصالحك، أن تؤمن بأنه كي تستبدل خسارتك يتوجب عليك أحيانًا أن تناضل، والأهم أن تفعل كل ما سبق وأنت على يقين أنك دومًا ستصل.
القلق لم يجنبني ألم الغد لكنه عن تجربة حرمني من متعة أن أحيا اليوم، وهذا ما أصبح يعنيني في السنوات القليلة المقبلة.
أراد الله تعالى لنا السعادة، فإذا بحثت عنها فأنت تحقق مشيئة الله.
أنت المقاتل في حياتك، صاحب الرؤية من يسمح لروحك أن تنشرح ولنعَمِك أن تبقى وللطف الأيام أن يستمر.
أحببت التكرار الذي يحفظ نمط الحياة هادئًا وأحببت التغيير الذي تحتاجه أيامنا الرتيبة والذي ينعش ساعاتنا برؤية مختلفة وقصاصات ننسق من خلالها أيامًا أكثر سعادة.
سألت نفسي كثيرًا لو طُلب مني أن أكتب بضع أسطر أتركها من خلفي فماذا سيكون محتوى كلماتي وأمنياتي؟
"أحب أن أحيا ممتلئة القلب، تَرِكَتي المحبة، أسرف من الساعات على مهل، وأتطلع إلى الأقدار وأنا أنتظر الفرج فيها، ألا اخاف الموت لأني اضعه في اعتباري وأن أترك ورائي لقب إنسان."
صديقي لقد حان الوقت لتعيش حياة على مقاس أمنياتك، لو تجاوزت الأربعين من العمر فقد مررت بالتجارب الكافية التي تكفل حسن إقامتك في الدنيا وجودة بقائك فيها.
حقق ما تتمناه في الوقت المناسب، اجعل النور فيما تراه، اسبح في اتجاه سفينة ما ولا تمضي عمرك على مرفأ في انتظارها.
التكيف على أقدارك هو كل الرضا الذي يكسبك صفة النضال في الدنيا ويفضي بك إلى الوصول لدار تدخلها فائزًا.
في إمكانك أن تبتهج بالقليل الكثير الذي بين يديك، لا تمشي ببصيرة عمياء ولا تبحث عن النظارة إذا كانت فوق عينيك.
لا تنفق في تنمية البغضاء فأفضل القلوب بجانبك من انتقلت من خلالك إلى طرقات أكثر نورًا.
أسأل الله كل يوم عن حياة سوية، عن خاطر مجبور، عن قلب مسنود، عن عيْشة رضيّة، عن أيام اكيفها لصالحي وأزيد من خلالها رصيد المحبة، وأن يستوطن الحب داري عليه أحيا وفي رحابه أموت.
التعليقات