علمني أبي الطبيب النفسي البارع رحمه الله منذ نعومة أظافري كيف أعطي الإبر، لم يكن وقتها يدرك أني سأكون أكثر المستفيدين من ذلك بدنيًا ونفسيًا.
كان يقول لي إن المخ البشري لا يدرك سوى فعل واحد في ذات الوقت، فإذا ضغطت على مكان الحقن وسحبت يدك في نفس اللحظة التي أدخلت فيها الإبرة يشعر المريض بحركة أصابعك وليس بشكة الإبرة.
أكسبني بمهارته الطبية الذكية قدرتي على فعل ذلك باحتراف. كنت ومازلت أعطي لنفسي الإبر ليومنا هذا، ما وفر علي الكثير من المعاناة ويسر لي حاجاتي.
تلك المهارة الحياتية جعلتني أدرك أن جل شجاعتنا وقدراتنا لابد أن تسير على نفس هذا النهج.
إذا أردت أن تنجو فمُر عقلك بفعل واحد لا يؤلمك.
صديقي إذا كان من الواجب عليك أن تشعر بالألم فلا تشعر معه إلا بالنور الذي يدفعك للأمام؛ النور يمنحك وضوح الرؤية وسواء البصيرة.
الأسبوع الماضي كنت في لقاء مع صديقتي الجميلة التي ستعرف نفسها فور قرائتها هذا المقال. بعد أن انتهيت من إعطائها حقنتين علاجيتين، قالت لي هذه أول مرة أشعر بالألم ووجع الدواء.
تعجبت بشدة لماذا هذه المرة دون عن سائر المرات السابقة شعرت بالألم.
الإجابة أحبائي تنحصر في اختيارنا الشعور بنوع الألم.
في المرات الأولى كانت صديقتي بحاجة شديدة للإبر لأن آلام ظهرها كانت أقوى من ألم الإبرة، أما وأن الألم بدأ يخفت قليلا صارت تشعر بالأكثر ألما، تماما كما علمني أبي.
إذا فهو اختيارك أن تتألم، كما هو اختيارك أن تتعافى!
ولكن!!!
من منا لديه هذه البراعة ليأمر جسده ألا يتألم؟ من يستطيع أن يتجاوز محنته مُسَفِهًا شدتها متجاوزًا كل النخر الذي يحدث داخل روحه؟ وكيف لنا أن نتجاهل كل تلك المعوقات التي تحوم داخل رؤوسنا وتمنعنا راحة البال؟
صديقي … عش داخل رأسك!!!
كل مخاوفنا تنحصر في ظننا أننا لن نستطيع؛ أهدافك الطيبة التي تسبح في خلايا عقلك هي بوصلة التغيير الذي تحتاجه ليتحول كل شيء لصالحك.
لقد اختبرت هذه المقولة عمرًا بأكمله. كل التحديات التي واجهتها وكانت كل قوانين البشر تقضي باستحالة تحقيقها، تحققت رغم أنف الدنيا فقط لأنني آمنت داخل عقلي بأنها ستتحقق.
فضيلة أن تعيش داخل عقلك تحجب عنك الكثير من العقول الموتورة القادرة على ضحد همتك والفتك بعزيمتك.
كل القدرات التي يمكن أن تحتاجها في مشوار حياتك محبوسة داخل عقلك، فإذا حبست جسدك داخل عقلك تكون قد اصطحبت معك كل ما يلزمك في رحلة دنيتك.
صديقي هناك بعض العقول لا تحتاج لتوجيه فهي على الفطرة بكرم من الرحمن، وهناك البعض الآخر الذي يحتاج لتطعيمات للإبقاء على العقل سليم. البعض الآخر قد يحتاج علاج يومي يُلزِم العقل الطريق القويم.
حتمًا نلتقي بمن لا يصلح أن يعيش داخل رأسه، فمن هؤلاء من يجب أن تدفن رؤوسهم حية، ذلك لتسوس خلايا المخ بديدان الطمع والحقد والكراهية الذي يمنع أجسادهم السواء والطمأنينة.
لا تتحدث عن أحلامك بقدر ما تعمل على تحقيقها، آمن بها داخل رأسك واجتهد لتحقيقها كل يوم إلى أن تحولها لواقع يرضيك أن تعيش فيه.
ونعم تأتي سعادتك عندما تتعلم ما يجب عليك الاهتمام به، لكن تلك السعادة تتدفق بقوة عندما تنتبه لما ينبغي عليك عدم الاهتمام به.
لا تغذي عقلك بما يجعلك تنظر للوراء، كل تلك المعوقات والهموم تزول كما زالت من قبل، قد تكون نسيت أن هذا دومًا يحدث … لكني هنا اليوم لأذكرك بعدد المرات التي كنت تظن أنك ستهلك لكنك نجوت.
أظهرت بعض الدراسات الحديثة أن الدماغ البشري يستمر في التعامل مع المنبهات الخارجية أثناء النوم وتحليلها، وخاصة تلك التي تهدد حياة النائم، وإن كان لا يستجيب في الظاهر لكثير من المؤثرات الخارجية.
أما وقد حبانا الله تعالى بذلك أثناء نومنا فكيف نسمح لعقولنا أن تنام ونحن مستيقظين؟ لابد لهذا العقل الذي أبى أن ينام ليلا أن يظل مستيقظًا طول الوقت.
أؤمن بأن الألم وقود يدفعنا للاستمرار بحرص ومهارة. تفاؤلك وقت الفشل ذكاء، ثقتك بنفسك وقدراتك وقت نزول القدر هي منتهى القوة، أما عن إصرارك على بلوغ غايتك رغم كل المعوقات فهو لك بمرتبة الشرف.
سيظل طموحي أن أفعل ما لا يفعله أغلب الناس لأعيش حياة لا يستطيعها أكثر الناس.
يعضد كل ما سبق أن أترك خوفي من الغد خلفي، أن أفعل كل ما في وسعي اليوم فقط، أن أنام كل يوم وأنا أتطلع بأن غدا بلا شك سأكون بخير، ثم أؤمن عن جد أن الحياة تمنح أقوياء النفس كل ما يرنون إليه.
أختم كلماتي بدعوة لكم جميعًا أن يبقي الله عليكم سعادة عقولكم، فإن عشتم داخلها، كان ذاك المعافاة الأبدية من كلاليب الزمان.
التعليقات