بينما ترتفع الأيادي إلى السماء تضرعا إلى الله، حتى لاتتحول الأزمة في السودان إلى حرب مدن وشوارع ؛ بين الجيش وقوات الدعم السريع ؛علينا أن ننتبه كثيرا إلى عدة نقاط يجب أن يعيها كل فرد فى الوطن العربي؛ فما يحدث الآن ليس وليد الساعة؛ ولكن حصاد سنوات من الغفلة وعدم تقدير عواقب الامور؛ فتلك القوات ولدت من رحم الجيش، وكانت هناك خطوات لضمها إلى عناصر الجيش النظامي، لكن محمد حمدان دقلو، الشهير بـ(حميدتي) أستبق الأمر وقام بحركة التمرد
تلك الخطوة تذكرنا بمحاولات جماعة الإخوان الإرهايبة لإنشاء جيش موازي فى مصر. جميعنا يعلم أن قوات الدعم السريع أنشأها النظام الأخوانى السوداني عام 2014 وقننها برلمانيا عام 2017؛ التي تطورت من ميليشيا (الجنجويد) القبلية التي تعامل معها النظام السوداني بحجة القضاء على متمردي إقليم دارفور؛ الى قوات شبه نظامية.
للأسف بعد القضاء على نظام البشير الإخوانى على يد قائد القوات المسلحة عبدالفتاح البرهان؛ لم ينتبه إلى خطورة هذه الجيوش الموازية ، بل وأصبح (حميدتي) نائب رئيس مجلس السيادة، ووضع رتبة (فريق أول) رغم عدم التحاقه بكلية عسكرية. وأزداد نفوذ (حميدتي) وسيطرعلى منابع الذهب السودانية؛ ومن خلالها اقام علاقة قوية مع قوات فاجنر فى روسيا؛ التي تتمركز في تلك المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في دارفور والنيل الأزرق ومحافظات أخرى. ويتم التعدين لصالح "فاجنر"، من خلال شركة تعدين الذهب السودانية "ميروي جولد"، ومالكتها شركة "إم إنفست"، ومقرها روسيا.. وساعدت "فاجنر"قوات الدعم السريع على تعزيز نفوذها ليس فقط في المناطق النائية بالبلاد، ولكن أيضا في العاصمة الخرطوم.
قوات "فاجنر" لا يقومون بدور قتالي في السودان، بل يقدمون تدريبات عسكرية واستخباراتية، فضلا عن مراقبة وحماية المواقع وكبار المسؤولين. يبدو أن (حميدتي) منح فاجنر السيطرة على مناجم الذهب في مقابل ذلك.
لعل الأحداث التى يعيشها السودان الآن تؤكد على أن الميليشيات تشكل خطراً على الدول الأفريقية؛ خاصة أنها أصبحت جزءا من نسيجه. للأسف أن تلك العسكرة للمدنيين، لم تتم بشكل واعي ومدروس ضمن عمليات التجنيد فى الجيش؛ من خلال قضاء فترة الخدمة العسكرية ؛ بل ماحدث فى معظم بلاد افريقيا ومنها السودان؛ كان بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، وانتشار البطالة بين الشباب، مع تصاعد واستمرار الحروب الأهلية، وتقسيم البلاد كما حدث مع السودان ،فكانت الوسيلة الأقل تكلفة مادية هى الأستعانة بالميليشيات، المسلحة مسبقا، والتي فى معظمها تحركها عناصر أجنبية من الخارج ؛ التي تستغل عجز الدول الإفريقية عن أدراة مواردها ، وأنها لاتملك قوة الدفاع عن نفسها، فكانت فكرة الميلشيات بمباركة رؤساء تلك الدول.
توغلت المليشيات، وأستقوت فى ظل وجود تمويل ومساندة خارجية؛ وللأسف أن معظم عناصرها من قطاع الطرق والمجرمين واللصوص،و تجار المواشي، ومنهم (حميدتي) الذي كان تاجرا للمواشى. تلك المليشيات يكون هدفها الأول والأخير الاستيلاء علي سلطة وتحقيق المكاسب شخصية، وان آجلا أو عاجلا ستصبح تهديدا لوجود الجيش الرسمي؛ فى ظل عدم وجود عقيدة عسكرية وطنية بين أفرادها.
التعليقات