استيقظت صباحًا وقد تعجبت أن النور لم يشرق بداخلي مثل كل يوم. إنه أحد الصباحات التي لا أحبها، يبدو أنه أحد الأيام الغير مُعَرّفة بداخلي، يوم لا أعرف فيه من سأكون.
لماذا استيقظت ولم يمر سوى بضع ساعات قليلة على نوم يخالطه الألم والقلق منزوع الراحة مثل اللبن منزوع الدسم.
استيقظت على الألم رغم المسكنات، سحبت أقدامي إلى العمل لأجد عدد آخر لا بأس به من الإحباطات في يومي.
وأخيرًا سكنت على كرسي وحيدة في قطار الإسكندرية لا أريد أن أرى أحد أو أسمع صوت أحد، فقط أجلس بين كلماتي وسطوري ووحدتي وموسيقتي.
أجلس في القطار وكل ما حولي يتحرك بسرعة كبيرة، سيارات تقطع الوقت والطريق، مارة يحملون الدنيا على رؤوسهم، وقطار يطوي الأرض كما يطوي شريط الذكريات أعمارنا وقت وداع الأحباب.
وجوه متشابهة، أراضي خضراء يعقبها أخرى جدباء، منازل تحوي الأحياء، قبور بها حياة وبيوت اختنقت داخلها الحيوات.
أنفاق وترع وأراضي خضراء تظهر أمام ناظري تبدد عتمة قلبي تجبرني بلونها البهي أن أتفائل وسط تفاصيل كثيرة محبطة تهوي بالقلب إلى حيث لا تلتقطه يداي.
طيور بيضاء تعرف مكان رزقها في أراضي تحمل الكثير من الطرح على مد البصر.
أشجار وخَضَار ومياه على مرمى البصر، ولازلت لا أرى ولا أشعر سوى
بتلك اللقطات القبيحة التي زاحمت الكثير والكثير من الجمال الممتد من حولي.
بوجه عابس وتقاطيع جامدة جلست استرضي قلبي أن يفتح الطريق لعقلي، كي أتنفس وأشعر وأحيا.
تلك الأشجار الباسقة التي يتمدد ظلها على سطح الماء لا تحمل أعين لترى نفسها وتستمتع ببهائها.
لا تستطيع عشرات الطيور البديعة أن تستثمر جمالها، لا تعرف قدر بهائها فهي لم تتوقف يومًا لتنظر كيف تبدو ولا إلى أي قدر تستحق أن تعتز بفُرُوهَتها.
تلك الحشائش على سطح جداول المياه، لا تعرف أننا نطلق عليها لفظ "حشائش" هي تستثمر وجود الماء والهواء والشمس لتأخذ دورة حياتها، تستثمر العمر وغالب الظن لا تلتفت للوقت الذي سيأتي أحدهم ينتزعها من مكانها.
أجولة البذور تلك تحيا وتتطور وترتقي لتصبح ذات طَول وذات منفعة.
كيلومترات خضراء من الحياة تسعى في هدوء دون أن تتحدث أو تعبر عن نفسها، تمارس الحياة بهدوء لا يستطيعه الكثير من البشر.
هل سألت نفسك يا صديقي يومًا عن عالم النباتات؟ كيف تشعر هي بك أنت؟ هل تمثل أنت لها حافز للبقاء أم للانتهاء؟ هل هناك نبتة مُحبَطة؟ وماذا تفعل تلك التي استيقظت أو نامت في يوم لا يناسبها؟
الجمال شائعًا في كل ذرات الكون، فقط علينا أن ندرب أنفسنا أن نراه.
إن الفرق العظيم بين الحياة والموت هو تلك اللحظات التي تعلمت أن تحيا بداخلها وليس تلك التي تُلْزِمك بالبقاء.
التفاؤل والإِسْتِبْشارهو ما يمنحك هدوء الأعصاب في أحرج الأوقات.
لولا تحدياتي لما تعلمت .. لولا تعاستي لما سعدت، لولا آلامي لما ارتحت.. لولا مرضي لما شفيت، لولا احباطي لما انشرحت.. ولولا ضيقي لما تفاءلت؛ رُب ضارة نافعة.
حسناً يا صديقي، ليس كل ما يُأخذ منك خسارة، إنها لحماقة أن يسيطر اليأس على الإنسان.
في اعتقادي أن اليأس خطيئة الحياة، ففي كل شرخ يصيب قلبك هناك الكثير من النور الذي يتسرب من خلاله ليضيئك من الداخل.
في مدرسة الدهر كل الموجعات تقويني. التفاؤل لا يعني أن تنتظر زهرة لم تزرعها يداك، بل هو أن تزرع وتسقي نبتتك وتجرحك أشواكها وتظل تنتظر وقت الحصاد وأنت ترتجي بعد خير المنبت الوفرة والاكتفاء.
يصبح الإنسان عجوزًا عندما يحل العُذر محل الآمال.
تذكر يا صديقي أن الأمل شئ جيد، والأشياء الجيدة لا تموت أبدًا. الآمال العظيمة تصنع السعداء، ففي كل لحظة تسقي منابت قلبك بالأمل تجتلب لقلبك مزيد من "سنوات السعد" التي تضفي على عمرك مزيد من البهاء.
إننا نبحث عن السعادة وهي في الأغلب قريبة جدًا، كمن يبحث عن النظارة وهي فوق عينيه.
أؤمن أن نصيب الإنسان من السعادة يتوقف غالباً على رغبته الصادقة في أن يصبح سعيداً.
لن تأتيك السعادة إلا إذا تهيأت لها الفُسحة المناسبة داخل قلبك، إذا أفلتت شمس يومك وحلّ عليك الظلام فقد فقدت للتو فرصتك في هذا اليوم أن تحيا وتستثمر ساعات عمرك في المزيد من جمال المزاج.
لم تكن السعادة يومًا في محطة الوصول فهي قصيرة، إنما ستظل السعادة في مبهجات الطريق.
لله في دنيا الناس نفحات لا يظفر بخيرها إلا الأصفياء السمحاء المتفائلين.
"أتب الظهر" في العامية هو انحنائه أما "أتب القلب" فهو خوائه؛ الوحيدون في هذه الدنيا الذين يتحملون ثقل الحياة.. هم الذين يواجهونها بمزيد من الغباء والحِنق واللامبالاة.
تحضرني مقولة للإمام علي بن أبي طالب "كُلّ متوقعٍ آتٍ، فتوقّع ما تتمنّى". تعامل مع أيامك كأنها قطعة الحلوى التي تختلط بمرارة شاي العصاري، فتكسبك مزيد من حلاوة الحياة.
التعليقات