لا يزال باقيًا نحو خمسين يومًا على ذكرى فريد الأطرش.. ورغم ذلك، بدأت أتلقى رسائل بها تذكير بقدر ما بها تحذير، فحواها: لا تنسى (ملك العود)، هل المصريون يعتبرونه شاميًّا ودرزيًّا، ولهذا يتجنبون الحديث عنه حتى فى ذكراه؟.. هذا واحد من الأسئلة المريبة التى أتلقاها.
أتابع عشاق المطرب الكبير فريد الأطرش، وهم كُثر، إلا أنهم يشعرون أن (الميديا) تحتفى أكثر بكل من أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب، بينما تزدرى فريد.
المأزق دائم، والغضب أيضا دائم.. فريد ودّع الحياة فى 26 ديسمبر 1974، وهو ما يجعل الإعلام لا يملك المساحة الكافية فى منح فريد ما يستحق، هناك دائما رغبة تشتعل مع نهاية لتقديم كشف حساب الحالة الإبداعية بكل تفاصيلها وحسم صراع اختيار الأفضل والأسوأ، وكله على حساب فريد!.
الأطرش هو الفنان العربى الوحيد الذى حظى بهذا التقدير، يحمل أربعة جوازات سفر «سورى ومصرى ولبنانى وسودانى»، ولا تزال جمعية المؤلفين والملحنين تشير إلى أن ألحانه سواء التى غناها بصوته أو بأصوات آخرين تحتل الوجدان العربى.
قبل أكثر من نصف قرن، وُجد التليفزيون المصرى الوليد، لم يكن قد أكمل بعد عامه العاشر، إلا أنه وُضع فى مأزق وصار عليه الاختيار بين القمتين: هل ينقل حفل الربيع على الهواء الذى يحييه عبدالحليم، أم ينقل حفل فريد الأطرش؟.. لم تكن الإمكانيات المتاحة وقتها تسمح هندسيا بنقل أكثر من حفل واحد فقط على الهواء، فلا وزير ولا رئيس وزراء يستطيع أن يحسم هذا الأمر الشائك، كان ينبغى أن ينتظروا الرئيس.
لم يغنِ أحد لعبد الناصر والثورة مثل عبدالحليم، ولكن عبدالناصر لم يكن فقط عاشقا لصوت فريد ولكنه أيضا كان مقدرا لدور مصر العربى، وكل عربى له فى مصر نصيب ونفس الحقوق.
وهكذا قرر نقل حفل فريد على الهواء، بينما يسجل حفل عبدالحليم ليعرض فى اليوم التالى. كانت لدينا وقتها معركة طرفاها قمتا الغناء العربى، وانعكس ذلك أيضا بين المطربين، ستجد مثلا محمد رشدى وفهد بلان غنيا فى الحفل الذى أقامه فريد، انحيازًا له، ومنح فريد كل منهما لحنا عليه بصمته، بينما بليغ حمدى كان مشاركا بأنغامه فى فريق (العندليب) ملحنا لعفاف راضى وعايدة الشاعر ومحمد العزبى دعما لعبدالحليم وحفلته.
عبد الناصر كان منحازا وجدانيا لفريد، وفريد كان واثقا من حب ناصر، والدليل أنه فى عام 1955 استقبل ناصر بدلا من فريد ضيوف فيلمه (عهد الهوى) فى سينما (ديانا)، طلب منه فريد كصديق أن يمثله فى دار العرض بعد إصابته بالذبحة الصدرية، بينما أنور السادات كان يردد أثناء مرحلة الشباب فى جلساته الخاصة أغنيات فريد.. على الجانب الآخر استند عبدالحليم فعليًا إلى حماية المشير عبدالحكيم عامر وكبار العسكريين، أمثال شمس بدران وزير (الدفاع) الحربية الأسبق.
ذكرى فريد تَحلّ قبل نهاية العام ببضعة أيام، بينما (الميديا) تمنح كل المساحات المتاحة لتقديم إحصاءات وكشف حساب للعام الذى أوشك على الرحيل وللعام الذى سيولد بعد قليل!!. ما رأيكم أن يصبح الاحتفال الضخم بفريد فى عيد ميلاده 21 إبريل، فهو مَن ملأ حياتنا بصوته وألحانه بأجمل وأرق الأنغام، من حق فريد على الإعلام المصرى أن يمنحه احتفال (فريد)!.
التعليقات