هذا الخبر أسعدنى وأنعشنى، مهرجان (البحر الأحمر بجدة) يختار من بين كنوز السينما المصرية التى مضى عليها نصف قرن فيلمين لترميمهما (خلى بالك من زوزو) حسن الإمام و(غرام فى الكرنك) على رضا، وليست هذه قطعا نهاية الحكاية، هناك أفلام أخرى، وبعضها يتجاوز 80 عاما معرضة للهلاك، الرئيس التنفيذى للمهرجان، محمد التركى، قرر الحفاظ على الموروث العربى السينمائى، والسينما المصرية قطعا هى الأكثر رصيدا بحكم تراكم التاريخ وستتابع الخطة الاستراتيجية التى وضعها التركى لحماية الذاكرة.
الباحث والمبرمج الموهوب العاشق للجمال أنطوان خليفة اختار الفيلمين ومع سبق الإصرار، للإشارة إلى أن الرقص بشقيه الشرقى (زوزو) والاستعراضى (غرام) يحملان فى عمقهما الدفاع عن الحرية.
يجب أن ندرك أن ذاكرة مصر الثقافية، خاصة السينمائية معرضة للدمار، وتعانى من أعراض (ألزهايمر)، والدور المسكوت عنه للمركز القومى للسينما، هو أن يلاحق الذاكرة البصرية قبل أن يدركها الضياع، لدينا عشرات من الأفلام نفقدها تباعا، وبرغم تتابع القيادات على المركز القومى، ودائما يعلنون أن الأرشيف هو هدفهم الأسمى، تنتهى مدة ولايتهم وينتهى معهم الهدف الأسمى.
أتمنى من المونتيرة منار حسنى التى تتولى حاليا قيادة المركز أن تضع خطة فورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تلك الكنوز.
أتصور أن اختيار مهرجان البحر الأحمر للفيلمين يؤكد أن هناك بالفعل غطاء فكريا وسياسيا، دفع أنطوان خليفة لتوجيه البوصلة إليهما.
وهو ما يدفعنا لإعادة قراءة تاريخنا السينمائى، (زوزو) ليس فقط واحدا من أكثر الأفلام المصرية تحقيقا للإيرادات، حيث بدأ عرضه فى أكتوبر 72 واستمر حتى 6 أكتوبر 73 وتم رفعه من دور العرض بسبب بدء ملحمة النصر، حيث رأت الدولة أن كل المشاعر يجب أن تتوجه لجنودنا على الجبهة الذين يحررون الأرض.
(زوزو) يشكل رؤية عصرية للدفاع عن حقوق المرأة، كما أنه قدم مبكرا شخصية المتطرف دينيا التى أداها محيى إسماعيل، ودافع عن الرقص باعتباره حرية، ولا يتناقض مع حصول (زوزو) على لقب (الفتاة المثالية)، وعندما تآمروا عليها بسبب أمها (نعيمة ألماظية)، تحية كاريوكا الراقصة فى شارع (محمد على) التى هزمها الزمن، انحاز المخرج حسن الإمام إلى الحرية، التقط صلاح جاهين الخيط الأول، من الصحفية الراحلة بهيرة مختار، ابنة نبوية مصطفى الراقصة الشهيرة، وبطل رفع الأثقال مختار حسين، تحمس فى الستينيات الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، رئيس التحرير، وعينها بالأهرام، وتقبل المجتمع الأمر، مثلما تقبل المجتمع فى السبعينيات على الشاشة شخصية (زوزو)، رغم أنها كانت تحطم الكثير من (التابوهات).
الفيلم هو نقطة الانطلاق الرئيسية لحسين فهمى الذى لايزال حتى الآن يحمل لقب (الواد التقيل)، لأن الناس صدقت سعاد وهى تغنى له (يا واد يا تقيل) تلحين كمال الطويل، كما أن سعاد حسنى رغم أنها بدأت المشوار عام 59 بفيلم (حسن ونعيمة)، وقدمت أفلاما هامة ومؤثرة قبل (زوزو) مثل (الزوجة الثانية) و (صغيرة ع الحب)، و(الاختيار) و(زوجتى والكلب) وغيرها، إلا أن الإحساس بذروة النجومية الجماهيرية الطاغية تحققت مع (زوزو)، توقفت سعاد نفسيا عند (زوزو) حتى جهاز (الأنسر ماشين) سجل عليه لحن سيد مكاوى (زوزو النوزو كونوزو).
تراجعنا فى السنوات الأخيرة كثيرا، وصارت أحكامنا تحمل فيضا من التزمت فى كل شىء.
كان ينبغى أن نتذكر مصر فى السبعينيات: سعاد حسنى تغنى وترقص وفريدة فهمى تحتضن التاريخ بالرقص التعبيرى وتقدم مع محمود رضا (غرام فى الكرنك)، هذه هى مصر الجميلة التى سنستعيدها فى مهرجان (البحر الأحمر)!!.
التعليقات