فى فيلم (الحرام)، روى لى حسن مصطفى أن هناك لقطة جمعت بين فاتن حمامة وزكى رستم، طلبت فاتن إعادتها أكثر من عشر مرات، وفى كل مرة يستجيب المخرج هنرى بركات، بينما اكتسى وجه زكى رستم بعلامات الغضب، ثم انفجر فى وجه فاتن قائلًا: (ح تعيديه مائة مرة مفيش فايدة).
إنه ما يطلقون عليه (سرقة الكاميرا)، ومضة كامنة داخل عدد نادر من الممثلين، وتقف عبلة كامل على قمة هذا الجيل، احتفل محبوها قبل يومين بعيد ميلادها، وغابت هى كعادتها عن إطفاء الشموع.
عبلة لا تتعمد سرقة الكاميرا، العكس هو الصحيح، الكاميرا تسرقها، تابعها فى أى مشهد ستلحظ أن عينها وأصابع يديها ووجنتيها بل وكرات الدم فى شرايينها تسبقها فى تقمص الدور.
ارتدت الحجاب قبل نحو 17 عامًا، وفى كل أدوارها دائمًا تضع ما يغطى شعر رأسها، لا أحد توقف للسؤال عن حقيقة حجابها، الناس تعاملت مع عبلة كحالة متفردة، فى الحياة الشخصية والفنية تؤخذ كما هى، لا تشبه أحدًا ولا أحد يشبهها.
أتذكر فى مهرجان (أسوان) أثناء تكريم منة شلبى عندما سألوها عن مثلها الأعلى، قالت: (عبلة كامل). وأضافت: (أتمنى أن أصل إلى نصف الحالة الطبيعية التى تؤدى بها أدوارها).
فطرية الأداء تساوى عبلة كامل، فمنحوا تلك الصفة عزيزة المنال لكل من يصدقونه على الشاشة، صارت هى (الترمومتر) بين الفنانات، مثلما أحمد زكى هو (الترمومتر) بين الفنانين.
كانت بيننا مساحة فى الماضى تسمح بحوار بعيدًا عن النشر، أتذكر أننى أقمت ندوة لمسلسل (لن أعيش فى جلباب أبى) بنادى نقابة الصحفيين بالجيزة، قبل نحو 27 عامًا، وكانت عبلة قررت قطع كل أدوات التواصل مع الإعلام، طلبت منها الحضور، مع نور الشريف وكاتب السيناريو مصطفى محرم والمخرج أحمد توفيق، وباقى فريق العمل، قالت لى: (أخجل من الرد على الأسئلة ولا أعرف كيف أجيب، أخجل حتى من الصعود إلى المنصة)، واتفقنا أنها فقط ستجلس بجوارى وسوف نتولى أنا ونور الشريف الإجابة بلسانها، عندما يصل لى سؤال عن طبيعة أدائها للدور أوجه السؤال لنور لينطق باسمها، وعندما يسألها أحد الصحفيين عن وضع المرأة فى البطولة السينمائية، أجيب أنا بالنيابة عنها، وأتابع على وجهها رضاءها عن الإجابات.
عبلة تملك أدواتها لأداء كل الشخصيات، بدون محاذير، مثلًا مع داوود عبد السيد لعبت فى (سارق الفرح) دور (بائعة الهوى)، فصدقناها، وهى أيضًا (خالتى فرنسا) إخراج على رجب، المرأة التى تأخذ حقها بالصوت العالى، فصدقناها.
تملك مواصفات نجمة الشباك، لديها فيض من الثراء الفنى، وهو ما دفع مخرجين بحجم يوسف شاهين ورأفت الميهى ويسرى نصر الله وخيرى بشارة وغيرهم للدفع بها فى كل الأدوار، مهما كانت المساحة المتاحة أمامها، ستكتشف أنها سكنت الوجدان.
هل غادرت الحلبة؟ سوف تستمع إلى آراء متعددة تنفى وأخرى تؤكد، ولن تعقب، فهى تعيش بيننا، ولكن لها عالمها الخاص، لا يدخل إليه ولو من تحت عقب الباب كل ما يتصل بالإعلام.
ستظل تشغل فى قاموس فن الأداء الدرامى فصلًا كاملًا يستحق منا بين الحين والآخر أن نعيد تحليله وتوثيقه، إنها مثل آلة (القانون) فى التخت الشرقى، لا تملك بعد أداء (الصولو) سوى أن تقول للعازفة الملهمة (الله الله يا ست)!!.
التعليقات