فى سابقة لم نتعود عليها أصدر مهرجان (الإسكندرية) بيانا يؤكد فيه أنه أرجأ الاحتفال بمئوية الملحن الكبير منير مراد، لأنه لم يوقن بعد من تاريخ ميلاده، وبالتالى لن يتورط فى توثيق حدث مرور 100 عام على بزوغ أول ضحكة، فلا أتصور سوى أن منير، حتى وهو جنين، كان يتدرب على الضحك، وعندما أتقنه خرج للدنيا.
الناقد والمؤرخ أشرف غريب صرح بأنه وجد فى المراجع أن تواريخ ميلاد منير مراد تتأرجح، اليوم 13 والشهر يناي، لكن العام ينتقل من 1920 حتى 1928، وعلى الفور قرر الكاتب والناقد، الأمير أباظة، رئيس جمعية كتاب ونقاد السينما ورئيس المهرجان، تأجيل إصدار الكتاب حتى يصل لشاطئ اليقين.
التاريخ المتعارف عليه- وهو الأقرب بالنسبة لى للصحة- هو 1922، وأتذكر أن الموسيقار الكبير كمال الطويل، وكان شديد الإعجاب والتقدير لإنجاز منير، قال لى إن منير يكبره بعام واحد، الطويل (1923).
أتصور أن الأستاذ أشرف وجيه أباظة، ابن ليلى مراد البكر، لديه الخبر اليقين، على الأقل يحتفظ ببطاقة الهوية أو جواز سفر خاله، كان عند رحيله قد تجاوز العشرين، ويعلم أهمية تلك الأوراق، كما أن ليلى مراد سجلت له وشقيقه الراحل زكى فطين، بصوتها، مشوار حياتها، وهى مواليد 1918 وأكيد أشارت إلى الفارق العمرى بينها وبين منير.
التقيت مرة واحدة الموسيقار الكبير، بعدها بأيام رحل عن عالمنا، وتصادف أن يفصله 11 يوما فقط عن رحيل الرئيس الأسبق أنور السادات، فلم يمنحه الإعلام الاهتمام اللائق، كانت مصر تتحسس اسم الرئيس القادم بعد 6 أكتوبر 1981، ذهبت لوداعه فى جامع عمر مكرم، بين عدد قليل جدا من الذين يعرفون قدره، لا أتذكر أننى رأيت منير مراد فى لقاء تليفزيونى، ولو كان قد حدث، فإن هناك من مسح هذا التسجيل، ما أتذكره انه اصطحبنى إلى غرفة صغيرة بمنزله، وأشار إلى أسطوانات (سلك) قبل اختراع الأسطوانة التقليدية، وقال لى هذه تحف أتمنى أن تحافظ عليها الدولة، مع الأسف هذا التراث النادر غالبا كان مصيره مثل عشرات غيره عند بائع (روبابيكيا) يبيعه بالكيلو.
منير كانت لديه لمحة خاصة فى كل شىء، لو استعدت تسجيل له على العود مع عبدالحليم وهو يغنى لحن كمال الطويل (بينى وبينك إيه) ستجده قد أضاف لمحة تحد فى أداء اللحن كانت غائبة عن النغم الأصلى، الطويل أرادها مداعبة، بينما منير أحالها إلى مشاغبة.
منير حالة إبداعية متكاملة يرقص ويغنى ويمثل، الجزء العميق فى تلك الموهبة أنه (قوس قزح) الموسيقى.
صاحب أكثر النغمات شبابية فى تاريخنا (وحياة قلبى وأفراحه) فى فيلم (الخطايا)، هل ننسى كيف استغل منير كل الأصوات فى مشهد داخل فيلم (يوم من عمرى)، عبدالسلام النابلسى وسهير البابلى والثلاثى المرح وحتى المزمار الشعبى كان بطلا، والحصان كان يرقص على الإيقاع فى (ضحك ولعب وجد وحب)، تأمل أغنية (قاضى البلاج) فى آخر أفلام عبدالحليم (أبى فوق الشجرة) لتكتشف كيف تولد الأغنية الاستعراضية.
كان يرى شريفة فاضل بنت البلد الجدعة الفهلوية فى (حارة السقايين)، يصنع الثوب اللائق بالصوت والنغمة (علمنى الحب) صباح، و(ابعد عن الحب) عادل مأمون و(من يوميها) وردة، وكانت أم كلثوم تستعد لتقديم عدد من الأغانى القصيرة المرحة التى لحنها لها، وودعتنا قبل استكمال المشروع.
إنه المظلوم الأول والموهوب الأول فى حياتنا الموسيقية، شكرا مسبقا لمهرجان الإسكندرية عندما يوثق مائة عام على الموسيقار الذى أهدانا بالموسيقى (ألوان السماء السبعة)!!.
التعليقات