طالعت في الفترة السابقة جدل شديد على مواقع التواصل الإجتماعي حول أستاذة جامعية تبالغ في إظهار المحبة لزوجها مصرحة بأن "التراب تحت حذاء زوجها فوق رأسها".
قامت الدنيا ولم تقعد، وتأهب الجميع ليوم القيامة. تعليقات نارية بأنها مدمنة دونية ومريضة نفسية.
يعتقد المتشدقون بالمساواة ورافعين أعلام الحرية الممولة بأن الدكتورة الفاضلة التي حفرت في الصخر لتصل إلى مكانة أستاذ جامعي في أحد كليات الهندسة بإحدى الجامعات المصرية، لا تصلح للتدريس.
ما هذا الهراء المجتمعي!
كل منا له الحق في التعبير عن نفسه وكيانه بما يوافق قناعاته ومعتقداته وتجربته وحريته الشخصية.
إن أشرف عمل تستطيع أي امرأة متزوجة أن تؤديه هو أن تحب زوجها بصدق!!!
ذاك الحب المُسْتَحق هو مهضم العوائق ومضخة المحبة ومُيسِر إقامة الحياة.
لا خلاف على أن الرجل الذي يجبر زوجة ذات شخصية قوية ومكانة مرموقة على تلك التصريحات؛ لابد أنه استحق هذا العَنَت.
وأتساءل أين المشكلة؟
إن بيت القصيد هنا هو تلك النزعة الدونية التي ينظر بها المجتمع بطبقاته المختلفة لمن يقدِّر الحب ويحافظ عليه، ولمن يؤمن بأنه يستحق كل هذا الكَدّ وكل هذا الوفاء.
لا أهتم بالمتشدقين بالمساواة بين الرجل والمرأة، فنحن بالفعل شقيّ المجتمع المتساويين شاء من شاء وأبَى من أبَى؛ ولن تستوي الحياة إلا بقوة حضور كل منا.
أؤمن بالتكامل بين الرجل والمرأة، وأن لكل منا دوره الفعّال. أؤمن أن البيت المنير أفراده رحماء، وأن الأبناء الأسوياء كان لهما والدين أقوياء.
ما العيب في محبة الزوج والمبالغة في إظهار الولاء والامتنان له؟ ألسنا نحن المؤنثَات الغاليات المؤنِسات؟ أين اختفى دلال المرأة؟
إن إظهار منتهى الضعف والدلال لهو سلاح المرأة الفعال إذا ما غلّفه الحب الصادق والمودة الحقيقية.
لقد بِتنا أفضل مستورد للأفكار السلبية وأفضل منتجين للبيوت الخرِبة.
سيظل اللطف دومًا المقابل الوضّاء للكثير من المُصَافَاة. إن أجمل ما ينْزله الحب بك هو أن يشعرك أنك دائمًا على قوائم الاستثناء.
الأصل في الزواج هو المودة والرحمة، والعوار الشديد الذي أصاب تربية الأبناء على اللطف والإيثار هو الوسواس الذي ينهش في عظام الأُسر ويفكك ضلوعها.
الحب هو إدمان العطاء وتجويد التعلق ونُبل ورقي النهايات.
أكثر ما يؤلمني هنا هو أن ذلك اللغط لا يدل إلا على إستبدال اللطف بالندية وإختفاء الرضا وتقطُع الوِصال.
الزوجة هي المرآة النَضِرة للزوج الجميل. الزوجة المحبة هي البِشر والسلام والأرض الصلبة والكتف المتين.
باتت آفاتنا أننا نفتقد الرضا ونستجلب الغِل تحت بند المساواة ونستكثر الحب كفضيلة ترتقي بها الأجيال.
قُتلت علاقة الرجل والمرأة بحثا؛ من يقدرني ويدفعني للأمام ويسعد بنجاحاتي ويؤمن بقدراتي يستحق مودتي وكتفي وأماني مدى الحياة.
أُرْهِن قلبي وعقلي وروحي وعمري وحياتي كلها دفعة واحدة لمن يخْلفني خيرًا في دنيتي. لو كان ذاك هو زوجي أفلا أحبه وأقابله ودًا بود ورحمة وبعض من مغالاة في التقدير والامتنان.
الحب هو الرسالة الآمنة التي يتمخض من خلالها الكثير من الرخاء. الحب هو أن تذوب وتفنى في شريكك، والحب أن تبخل في كل ما يعرقل مسيرة الوداد.
ونعم التراب الذي يمشي عليه من أحبني وأكرمني أحب إلي من الكثير والكثير من مبهجات الحياة!!!
الندية وحساب العطاء هما لصوص البيوت الهانئة. لا شئ يسرق سعادتك أكثر من اعتقادك أنك تستطيع أن تستبدل المعاونة والعطاء المتبادل بالأنانية وافتعال الأزمات ومعاندة فطرة الله.
البيوت المقامة على الوداد غير فانية.
من أكثر الحقائق روعة في دنيتنا أنك مُجازى بكل ما تضمره من حب وكره ومغالاة فيهم، وأن نجاتك من بعد يأس لن تتأتى إلا بعد جهادك، وأنك لن تقترب من حلاوة الدنيا ويسرها إلا بقلب خال من الأحقاد، وأن الخير كل الخير هو صلاة وتر تنهي بها رحلة حياتك وأنت مُحب.
اختصر شر الدنيا بقلب مسنود بحلاوته؛ خير لك من لؤم الروح ومر فراغ النفس الضريرة.
لقد نسينا كيف نحب وكيف نرضى، نسينا كيف نبني ونصبر عندما نبتلى، ونسينا كيف نقيم الجدران ونثَبِت بيوتنا بصلابة وجَلَد.
ولعلي في مقالي هذا أحيي كل رجل وامرأة ممن يتق الله في زوجه ويقيم بيته على البركة والفهم الذي يقي العتمة وسوء النهايات.
فإذا وجدت في شريكك الصلابة رغم العواصف والموجعات، فالفرضيّة السامية هنا هي أن تتوحد بأصل طيب فلا يُعرف من أين تنبت ثمارك ولا تضيع بين يديك أمنيات.
يستثنى من تلك الكلمات أصحاب القلوب الخَشنة وذوو الأرواح الغليظة؛ هؤلاء سفراء الشر فلا تُنتظَر الرحمة من قلوب سوداء.
فهنيئا لكل شريك في الود، طبتم وطابت قلوبكم في صنع المزيد من الجمال؛ فأبناء الحب مِلاحَاتهم وضّاءة ولن يستأذن حسن الطالع في المرور على أعمارهم أبدًا.
التعليقات