منذ نعومة أظافري كان ولا يزال لدي عادة غريبة، عندما أمشي على طريق أو رصيف لا أحب أن أمر فوق الفواصل العرضية به.
أُناوار دون دراية مني وأنا أضبط إيقاع خطواتي لتناسب المسافات الفارغة بين تلك الفواصل.
عادة قديمة وغريبة وأحيانا تكون مزعجة، لم أنجح أبدًا في التخلص منها، بل حولتها لخطوات مبهجة وكأني أتحدث لنفسي وأمزاحها أثناء سيري.
وكبرت…
وأدركت كُنْه هذه الفواصل، ولماذا كنت أُفضل المرور دائمًا من فوقها.
لكل منا فواصله العرضية!
ومرورك فوق تلك العقبات التي تعتري كيانك يجب أن يكون سريعًا.
أدركت ببراءة الأطفال أن الأحزان جزء أصيل من حياتنا، وأن حياة خالية من العقبات لابد وأن تكون في الجنة.
كذلك ينمو وعينا كلما ازداد عمرنا وعُمراننا ونحن نتخذ سُبلنا للعيش.
أليس جميعًا تتخلل دنيانا تلك العَوائِق؟ من منا بلا قيود؟ من منا يصحو يوميًا ليجد طريقه ممهدًا؟ ومن منا تخلو دنياه من تلك الآمال التي خَبَت وطواها في قلوبنا الزمان؟
الإجابة .. لا أحد أبدًا.
علمني حبيبي وصديقي أبي الثاني رحمه الله، والد زوجي، مثلا إنجليزيًا يقول
"Don't cross the bridge until you come to it"
عبارة إنجليزية مجازية تفيد بأن يجب على الشخص أن لا يقلق قبل أن يواجه المشكلة
غير معلوم متى ظهرت العبارة ولكن يعتقد
أنها أتت من حكمة تعود
إلى هنري وادزورث لونغفيلو.
"لا تعبر جسرًا قبل أن تصل إليه".
بهذه البساطة وَجَب عليك أن تحيا الحياة. أن تمر سريعًا على تلك العقبات الخانقة لروحك ولا تطيل البقاء بداخلها.
لا تستجلب همومًا لم تأتي بعد والأغلب أنها لن تأتي.
ذلك المُر… حتمًا سَيَمُر.
كل ما تحتاج إليه هو أن تعتصم بالصبر والإرادة الصَلْدة لتجاور المُوجِعات وقت حلولها، ثم تتسلح بيقين حقيقي أنها لن تبقى للأبد، ومن ثَم تتجاوزها.
قد تؤلمك مرارة الصبر ولكن بحلول العوض سينتهي ما أَضَرَّك، وتبقى بداخلك طاقة حديدية تعينك بقوة على البقاء.
بغير ذلك ستدور في دوائر لا تنتهي من اليأس، وينبت في قلبك بذور الشقاء؛ وما أيسر نموها.
اعتقادك بإيمان أنك بخير مهما كانت أيامك تحيد عن طريق رغباتك، هو بذاته سر حُبُورك الحقيقي.
وهل هناك سعادة في الحزن؟
نعم، وعن يقين، لكنك بخير طالما آمنت بذلك.
ليس علينا سوى حُسن السعي واستحضار أسبابه، أما إِدْراك هدفك فهو رزقك في الدنيا.
قد لا تعطيك الحياة فرصتين لتتعثر، أَقِم ذاتك عند المرة الأولى.
وأؤكد لك أنها لن تكون الأخيرة؛ لكن كثرة تجاوز العقبات حتمًا ستصنع منك إنسان قادر على مجاراة الحياة بحِرَفية.
أنت ثري قدر نَفْس عَفِيّة على الألم، وإن طالتك أذرعه.
قد يُرسَل لك طوف النجاة في آخر وقت تظن أنه أغْفَلَك، وقبل أن تيأس بمعجزة حتمًا سَتَجِد مأمنك.
كَم مرَّة كَادَ يَتنَاثَر فِيهَا فُتَات قَلبِك
مِن فَرطِ القَلق وَ الاضطِّرَاب على من تحب؟
كَم مرَّة كُنت تُحارِب شُعُور الحُزن
الّذِي يَتغَلغَل دَاخل رُوحك فتفِرّ مِنه إلى الدُّعَاء؟ ( أليس الله بكافٍ عبده)؟
لَولَا جَبرُ الله وَ لُطفهُ بِنا لهانت الحياة على الكثير.
(فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ.)
لدي حياة ولي فيها نصيب من المحبة، جعلني أنسى من خذلني، وإن بقيت بعض حجرات القلب خاوية فليكن فراغك أجمل الحاضرين.
ستجد من يجيد تسكين آلامك وتضميد جراحك وتطيب خاطرك، أُناس يجيدون القفز فوق عقباتهم، أفنوا في حياتك عمرا، فأنساهم الله آلامهم ومروا فوقها سريعا.
أولئك يجيدون بناء وجَبْر النفوس، يعلمون مقاس روحك فيهِبون وتين قلوبهم عن رضا.
هؤلاء لا يشغلهم الفواصل ولا يرونها، بل ويتجاهلون وجودها، اقترب منهم فعند أبوابهم تجد النجاة، ثم تذوق معهم ومن خلالهم رُوَاء الحياة.
التعليقات