كان لي عادة غريبة في صغري وقت أن ناهزت العاشرة، أحببت دائما أن أفتح ساعة الحائط وأن أجبر عقاربها على التوقف بيدي، أو حتى انتزع عقاربها لتتوقف.
يبدو أني لم أكن أستوعب بعد أن هذا التحرك هو سر الحياة والبقاء.
أما الآن، فأخشى بكل كياني أن تتوقف.
حركة عقارب الساعة هي سبيلنا للإحساس، للعيش، للتواجد في دنيانا.
تتداول الأيام قلوبنا بلا رحمة، تارة ترفعك لعنان السماء وتارة أخرى تهوي بك حتى تكاد تُدفن وأنت حي.
يحمل الفيلمين الأجنبيين (Forrest Gump) وكذلك (The pursuit of happiness) قصتين خالدتين للمعاناة الحقيقية التي تعتري حياة البشر، وكيف أن نجاحك في الوصول لمبتغاك قد يتحقق فقط في محاولتك الأخيرة وأنت تتمسك بأهداب الأمل.
كل شخص في الدنيا يطمئن إذا وجد حيلة تُخرجه من مأزقه، لكني أقتبس القول الرائع للدكتور أحمد الديب في كتابه "فناجين مضادة للاكتئاب"، يقول: "لعلي أطمئن أكثر حين لا يكون لدي حيلة.. الحيلة تُعَبِرُ عن مقدار قوتي أنا، واللا حيلة عن مقدار قوته هو".
فسبحان من أوجد من قمة اليأس المنبت الحقيقي للإيمان.
لكل منا آمال وطموحات وأماني في نفسه وفي من يحب، وقد تُفاجأ رغم بساطة أحلامك ومشروعيتها أنها لا تتحقق.
اكتسبت من فترة قصيرة جدا، صفة أحسبها كانت لها أقوى الأثر على قلبي؛ أُقَيّد أحزاني ضد مجهول.
لم أعد أريد أن أعرف أسباب ظهور الألم قدر ما أهتم بإجادة التعامل معه؛ هكذا تتحرك عقارب ساعتي باستمرار، فلا أخشى توقف الحياة في قلبي.
بمحاولتك أن تغدو بخير، أن تجتهد في الإبتعاد عن ما يُظْلِم قلبك أويَظْلِمُه؛ تتصور أنك بمأمن وأنك تستحق أن تحقق أمانيك. كلا يا صديقي، هذا ليس صحيحًا بالمرة!
لا تغير العالم من حولك، أنت من يحتاج للتغيير، أنت من يحتاج أن يوقن بأن ما يناسبك حقًا ليس ما تحب، بل هو ما يختاره الله لك، وإن كانت طموحاتك مشروعة تمامًأ.
تهريب السعادة إلى قلبك، عكازك في أيام المَشَقّة.
كلنا بحاجة ماسة إلى مخرج طوارئ يلازم سَيرنا وخطواتنا، وأنت فقط من يجده. عليك أن تدرك أن لا أحد سوى نفسك أشد حرصًأ على نجاتك وأكثر قدرة على إيجاد مَطَل السعادة الخاص بك.
لكل منا هذا المَطَل، لكنك لا تكلف نفسك عناء البحث عنه، تنخرط دومًأ في محاولة تفسير وتحليل آلامك وأحزانك، تستمر في تجاهل طاقات النور التي قد تجدد حياتك بالفعل.
التعاسة رد فعلك السلبي تجاه ما يمر بقلبك من أحداث. إننا سعداء ولكننا لا ندري، فقط اطلب السعادة من نفسك وليس ممن حولك.
تمرد على حزنك، اقتله بنيران صديقة. معركتك الأزلية من وجهة نظري ليست مع الشيطان، بل مع نفسك.
مسرح عمليات الشيطان في الدنيا هو قلبك، فلا تعش في حرب استنزاف.
استقم!
تمرد على ضعفك على شتاتك وعلى مزاجك السيئ. ولعل أفضل التمرد يكون على هواك، فذاك هو عدوك الأول.
هواك هو مزاجك السيئ لو كنت خّيّر النفس، وهو شيطانك الحبيب لو كنت ذا قلب خبيث.
عندما يسترد الله نِعَمَه التي تركها عندك، فلن تملك شئ. أما عندما يسترد روحك، فلن تملك من أمر نفسك شئ.
أغلب البشر إما مُقْبِل على الدنيا لاهي القلب، أو زاهدًا فيها كارهًا أن يبصر أَنْعُم الله.
مخرج الطوارئ الذي يخصك، هو المساحة المشتركة بين الإقبال والزهد في وعلى الدنيا والآخرة. تلك هي طاقة النور التي تبث الحياة إلى داخلك وتنازع هواك إلى أن تهتدي وتهدأ وتستقِم.
ولا تنسى حقيقية أن الثغرات والعثرات في دنيانا هي فرصتنا الجيدة للتطور ولتغيير نظرتنا عن أنفسنا بأننا دومًا نستطيع.
خذ وقتك الكافي عندما تتألم، ثم أفعل الشئ الوحيد الذي ينجيك، أَدِر ذاتك. عَدِل سلوكك لممارسات سلوكية متكررة تضفي عليك السعادة.
يتطلب منك الأمر أن تتحلى بالشجاعة وتنظر داخلك ثم تفعل ما يخلق في أيامك الحياة.
هنالك فقط يا سيدي لو توقفت عقارب ساعتك، فلن تحزن بعدها أبدًا.
التعليقات