المؤلف والسيناريست لواء دكتور بهاء الدين إبراهيم من أهم الكتاب والمؤلفين الذين اهتموا بتقديم الدراما التاريخية الإسلامية فوظف قدراته كواحد من أكبر كتاب السيناريو لإنتاج دراما تاريخية تناولت أئمة علماء الإسلام وكبار الدعاة على مدار مشواره الفني ليقدم العديد من أشهر المسلسلات التلفزيونية الدينية.
ولد السيناريست بهاء الدين إبراهيم بمدينة طنطا في 9 أكتوبر عام 1933، تخرج من كلية الشرطة عام 1954، ثم درس الآداب وحصل على ماجستير ودكتوراه في التاريخ من جامعة الإسكندرية، وبدأ عمله الفني في الإذاعة المصرية قبل إنشاء التلفزيون.
وتحدث د.بهاء الدين عن أسباب اتجاهه إلى كتابة الدراما الدينية قائلا: رأيت أن ظروفنا الحاضرة؛ تحتاج بشدة الى مثل هذه الكتابة خاصة أن كثيرا من مشكلاتنا نتيجة للفهم الخاطئ للدين، ولو تصورنا أن المسلمين فهموا دينهم كما ينبغي ما وجدت أية مشكلات اجتماعية.
ولهذا تفرغت لكتابة المسلسلات الدينية حتى أسهم؛ بجهدي في تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة للدين؛ وعن أول مسلسلاته الدينية كانت المسلسلات الدينية تظهر على استحياء، وذات يوم قدمت لي ابنتي كل ما كتب عن أبي حنيفة النعمان.
وبدأت كتابة المسلسل وأنا لا أعرف من سيخرجه، وقدمته لقطاع الإنتاج في التليفزيون المصري؛ والذي عرضه بدوره على المخرج حسام الدين مصطفى الذي شجعته زوجته لإخراجه.
كان أبوحنيفة هو إمام الأئمة والجميع يعتبرونه الرائد الأول؛ بمن فيهم الإمام مالك الذي كان معاصراً له، وكانت له طريقة مبتكرة في حل المسائل والقضايا التي كانت تطرح في حلقته، فلم يكن يعمد هو الى حلها مباشرة، وإنما كان يطرحها على تلاميذه ليدلي كل منهم برأيه، ويعضد ما يقول بدليل، ثم يعقب هو على رأيهم ويصوب ما يراه صائباً حتى تقتل القضية بحثاً.
ويجتمع أبوحنيفة وتلاميذه على رأي واحد يقررونه جميعاً، وهو فتح الباب للقياس والاجتهاد والرأي ولم يقف اجتهاده عند المسائل التي تعرض عليه أو التي تحدث فقط، بل كان يفترض المسائل التي لم تقع ويقلبها على جميع وجوهها ثم يستنبط لها أحكاماً وهو ما يسمى بالفقه التقديري.
يشير الدكتور بهاء الدين أن نجاح المسلسل فتح شهيته للاستمرار في الدراما الدينية؛ خاصة وأن تلك الفترة كان فيها ازدهار فمع عرض “أبوحنيفة” كان يعرض “هارون الرشيد”و”القضاء في الإسلام” وغيرهما.
وقررت أن أعد سيرة كل إمام في مسلسل منفصل؛ ثم وجدت أنني لا استطيع أن اخذ كل إمام منفصلاً عن الآخرين، وتركت العمل يفرض نفسه، أما “ابن حزم” فوجدته عالماً بمفرده لأنه خرج عن الائمة بعد ما يقرب من 300 عام.
وقال :سآتي بفقه جديد وهو الفقه الظاهري المخالف لفقه الائمة الأربعة وقدمت مسلسل “ابن حزم” على أساس أن الفقهاء الأربعة لم يغلقوا الباب أمام الاجتهاد من بعدهم أو لم يكونوا نهاية الطريق للفقه الإسلامي بدليل ابن حزم الذي كان له منطقه ورأيه اقنع معاصريه بأفكاره.
وأشار د.بهاء الدين ابراهيم الفضل في اختياره لحياة الشيخ محمد متولي الشعراوي؛ لتقديمها في مسلسل إلى الفنان حسن يوسف.
وقال: حسن يوسف غار من نجاح مسلسل “أم كلثوم” وعرض علي كتابة مسلسل “الشيخ الشعراوي” وبدأت أقرأ عنه وعن قدرته على تفسير الكثير من المسائل الدينية بأسلوب بسيط يصل إلى قلب المتلقي في سلاسة ويسر كما كانت له مجهودات كبيرة وعظيمة في مجال الدعوة الإسلامية وعرف بأسلوبه العذب البسيط في تفسير القرآن.
خاصة أن أسلوبه ناسب جميع المستويات والثقافات، ثم جلست ساعات مع ابنه عبدالرحيم وحكى لي ما لم تذكره الكتب عنه ثم بدأت الكتابة، وهو كان ميسراً لي لأن الناس كانت تريد معرفة الكثير عنه وكيف كانت علاقته بالناس وبأولاده.
والعمل جذب الناس وحقق نجاحاً كبيراً وعرض عشرات المرات في العديد من المحطات الفضائية.
وبعد ذلك ذهبت إلى الأزهر؛ وطلبت منهم أن يرشحوا لي أحد الأئمة، فرشحوا لي الإمام المراغي الذي وجدت انه كان وراء قوانين الأحوال الشخصية التي نعيش بها الآن، وأنه قاد حركة التجديد وجاهد جهاداً شاقاً حين تولى مشيخة الأزهر.
وكان همه الأول إصلاح الأزهر الذي كان قد بدأ يفقد بريقه وبعضاً من سلطاته؛ وحوله من مجرد كتاتيب إلى جامعة وكليات، واهتم بإصلاح القضاء لتحقيق العدل بين الناس؛ إلا أنه لم يخرج في ذلك عن حكم الكتاب والسنة وخاصم السلطة؛ وعارضها في مواقف كثيرة وكان لديه شموخ علماء الإسلام.
وعن سبب تقديمه مسلسلاً عن حياة الإمام الشافعي؛ يقول: شعرت بأنه لم يأخذ حقه كاملاً في مسلسل “عصر الأئمة” حيث ظهر في خمس حلقات فقط ،
وحين اطلعت على فقهه لاحقاً وجدت أن له من الرأي والمشاركة والأحداث ما يستدعي أن يكون له مسلسل مستقل، خاصة أنه يعد مجدد الإسلام في القرن الثاني الهجري وأحد أئمة أهل السنة وصاحب المذهب الشافعي ؛ومؤسس علم أصول الفقه حيث وضع كتاب “الرسالة” وكان أصحاب الحديث يأتون إليه ويعرضون عليه غوامض علم الحديث.
وعن اختياره لحياة عقبة بن نافع لتقديمها في مسلسل “الفتح المبين”؛ قال إن عقبة كان مرحلة فاصلة بين السلام والحرب ؛هو كان يريد للإسلام الانتشار بالسيف، وأبو المهاجر دينار يريد السلم.
ورغم أن عقبة فتح المغرب فإنه لم ينشر الإسلام كما نشره أبو المهاجر بدعوته الهادئة وثبت أنه أصدق وأصح.
وكانت آخر الأعمال التي قدمها السيناريست "بهاء الدين" مسلسل "العارف بالله عبد الحليم محمود" عام 2008 من إخراج مصطفى الشال، ومن بطولة حسن يوسف، عفاف شعيب، جمال إسماعيل ومحمد وفيق.
وكان يستعد لتصوير مسلسل جديد بعنوان ( اسماء بنت أبى بكر) يتناول قصة حياة أسماء بنت أبي بكر التي عاشت مئة عام وكانت خلالها معاصرة للأحداث وفاعلة فيها ومتفاعلة، وحياتها سرد للإسلام وأحداثه من قبل نزول الوحي، وهي صحابية من الفضليات والسابقات إلى الإسلام وأبلت في الهجرة بلاء حسنا ولقبت بذات النطاقين، وتعد مثالا للزوجة المؤمنة الصابرة وكانت مثال الكرم والجود في العطاء.
ورحل عن عالمنا السيناريست بهاء الدين إبراهيم في 20 مايو عام 2016 عن عمر ناهز 83 عاما.
التعليقات