أتذكر جيدًا أحد الدعاة الذى أصاب قدرًا من الشهرة والمصداقية، عندما سأله طفل قبل نحو 15 عامًا، وكان وقتها لديه فقرة ثابتة مع عمرو أديب فى (الأوربت)، سأله طفل عن حصوله على هدية من (بابا نويل)، من الواضح أنه قد تناهى إلى سمعه من يحرّم هدايا بابا نويل، فأراد أن يسأل واحدًا من أهل الذكر، وكنا وقتها فى مثل هذه الأيام نحتفل برأس السنة، أجابه وهو مطمئن تمامًا أنه اختار الكلمات التى تصور أنها تتوافق وقتها مع رأى المحطة: (لماذا بابا نويل؟ لديك بابا مصطفى وبابا محمد)، الطائفية فى أسوأ أشكالها تنضح فى كلمات الداعية، الذى وكعادة الصحافة تصفه بالمستنير، ولا أدرى أين وجه الاستنارة؟ حاول عمرو التخفيف قليلًا من وقع الصدمة على الطفل، إلا أن الداعية لم يتراجع، وبعد أن قامت ثورة 25 يناير ورأينا تيارًا آخر يعبر عن نفسه فى التسامح، فقرر صاحبنا أنه لا بأس من ضبط الموجة مجددًا، وجاء السؤال فى إحدى محطات التليفزيون الأرضى، فى وقت كان التليفزيون المصرى لايزال متصدرًا المشهد، السؤال عن شرعية الأكل مع الجار المسيحى فى ليلة رأس السنة، جاءت إجابته قاطعة: (طعامهم حل لكم وطعامكم حل لهم).
عندما رصدت تلك المفارقة فى مقال لى خرج مولانا عن ثوب الوقار، وأفصح عن الوجه الآخر، وأخذ ينهال على العبدلله بكل ما أُوتى من كلمات خارجة تمامًا عن قاموس الأدب.
ولو استبدلت بابا نويل بشجرة عيد الميلاد، وأنا لا أتصورها بالضبط هى تلك الشجرة الكبيرة المزينة بمصابيح مضيئة مختلفة الأشكال والأحجام- أراها أبعد بكثير من كونها الشجرة التى كنا نراها منتشرة بين الطبقة المتوسطة قبل أن ينكسر ظهرها، الشجرة كثقافة مصرية لا تعبر عن طقس دينى بقدر ما صارت أحد عناوين البهجة والتفاؤل بالعام الجديد.
لاقى محمد صلاح الكثير لأنه نشر صورته والعائلة مع شجرة الميلاد، وقبلها عندما سأله عمرو أديب عن شرب الخمر أجاب بأنه (لا يحبها أو يستسيغها)، ولا أراها إجابة دبلوماسية للخروج من دائرة الحلال والحرام، بقدر ما تعبر عن موقفه الشخصى، فهو قبل أن يراها من منظور دينى مباشر اكتشف أنه كإنسان لا يتذوقها.
مفهوم الحلال والحرام اعتقاد خاص لكل منا، ولكن لا نفرضه على الآخرين أو نقيّمهم من خلاله، مثلًا الهندوسى الذى لا يأكل لحم البقر لو سألناه وجاءت إجابته: (لا أحب أساسًا لحم البقر)، هل نعتبره يقدم إجابة دبلوماسية ترضينا كمسلمين، أم يعبر عن موقفه كإنسان؟
كلمة الحلال والحرام ليست هى الإجابة النموذجية فى كل شؤون الحياة، الإسلام يشكل 20 فى المائة من كل سكان المعمورة، فكيف يطبق معياره الدينى على باقى البشر، شركائه فى الكون؟
شجرة عيد الميلاد (الكريسماس)، منسوب لحنان ترك أنها حذرت منها المسلمين، لا أدرى على وجه الدقة هل فعلًا هذا الرأى بالضبط صادر عنها؟ ولكن كحد أدنى برغم انتشاره فإنها لم تكذبه.
ما أستطيع أن أجزم به أن مصر المتسامحة هى التى سوف تفرض مزاجها ومرونتها على الجميع، شجرة الكريسماس يقتنيها المسلم والمسيحى، وهدايا بابا نويل مقبولة من الجميع، وعلى هؤلاء الفقهاء أن يتركوا الناس لضمائرهم وقلوبهم العامرة بالحب، وكل سنة وأنتم جميعا طيبون!!.
التعليقات