بعد أن شاهدنا د. عمرو خالد وهو يدعو من شغاف قلبه وبكل ضمير للتعامل مع نوع معين من الفراخ البيضاء، حيث كانت الدموع تنهمر من عينيه، وتحشرجت نبرات صوته، شاهدت مؤخرًا داعية آخر داخل محل كباب وكفتة وممبار وعكاوى وريش وملوخية، وهو يؤكد أنها الأجمل والأطيب مذاقًا والأحلى نكهة، ولا بأس من أن يذكر بعض آيات قرآنية وأحاديث نبوية تؤكد أن إتقان العمل من الإيمان، وأن (طشة) الملوخية لو جاءت فى لحظة مواتية مع الشهقة المعتبرة سوف تحقق أعظم الأهداف، فهى تعنى أن الله يبارك (التقلية).
الإعلان عن أى شىء حق للجميع، خاصة أنه عبر التاريخ شاهدنا حتى رجال السياسة يمارسونه وكبار الفنانين مثل أم كلثوم وفاتن حمامة لم يجدوا بأسًا من المشاركة فى الدعاية لنوع من الصابون أو البوتاجاز، والداعية فى النهاية بشر عليه التزامات مالية يجب أن يؤديها، وطالما يحترف التعاطى مع الفضائيات فى البرامج مقابل أجر، فلماذا لا يتقدم خطوة أبعد إلى الإعلان.
نظريًا كل ذلك لا غبار عليه، ولكن البأس كل البأس عندما نستمع إلى كلمات الله وسنة رسول الله يتم استخدامها فى نسيج الإعلان، وإذا كنا نردد فى أدبيات هذا الزمن: (لا دين فى السياسة، ولا سياسة فى الدين)، فمن باب أولى أن نقول: (لا إعلان فى الدين، ولا دين فى الإعلان)؟!.
لا أنكر أن د. عمرو خالد اعتذر بعد أن زادت مساحات السخرية على كل مواقع التواصل الاجتماعى، إلا أنه حتى وهو يعتذر أكد أن إتقان العمل من مبادئ الإسلام، وهذا هو ما فعلته بالضبط شركة الدجاج التى تولى هو الدعاية لها، أى أنه أعاد مرة أخرى الإعلان فى الاعتذار عن الإعلان، ولكن شركة الدجاج هى التى حذفته، تصورت أن هذا الدرس يكفى لكى لا تفكر أى شركة أخرى فى استخدام داعية آخر.
أفهم أن أرى نجمًا يقدم حملة ترويجية لخط محمول أو حى سكنى أو عطر، وأن تنهال منه عبارات المديح لهذا المنتج، ولأنك على الجانب الآخر من الممكن أن تواجه الرأى بالرأى المضاد، أو على الأقل يظل بداخلك قدر من الشك، وهو ما يتيح أن تفلت من سطوة الإعلان، ولكن ما الذى من الممكن أن تفعله لو أن من يقدم الإعلان هو ممن نصفهم برجال الدين، وكلماتهم تستند إلى كتاب الله وسنة رسول الله، الداعية يُصدر لك اعتقادًا سماويًا مطلقًا بأن هذا النوع من لحمة الرأس أفضل من النوع الآخر الذى ستجده فى المحل المقابل.
نختلف مع عدد من رجال الدين فى بعض ما انتهوا إليه من تحليلات فى قراءتهم للدين وفهمهم له، ولكن ماذا نفعل عندما نصبح بصدد الترويج لمأكولات؟
هل من حق الداعية أن يستغل شهرته مثل لاعب الكرة أو رفع الأثقال أو كمال الأجسام؟ الأمر مختلف مع يقينى أن هناك فروقًا شخصية بين داعية وآخر، ورغم ذلك فإنه لا يجوز له أن يشارك فى الترويج لسلعة، لأنه ستظل لديه مرجعية مطلقة، فكيف تواجهه بأسلحة أرضية وهو يمتلك كل هذا الأسلحة السماوية؟!.
حالة من التسيب أظنها سوف تزداد فى قادم الأيام، لأننا أسرى العدوى، والآن رجل الدين صار هو التريند (فلا بأس أن يتحول إلى داعية للفشة والكرشة والممبار والعكاوى!!).
التعليقات