قال محمد الموجى فى واحد من لقاءاته التليفزيونية إنه لم يكن فى بداية مشواره يعرف اسم المقام الافتتاحى الذى لحن على منواله أغانيه، وكانت الفرقة الموسيقية حتى تتمكن من (الدوزنة) ضبط الأوتار، تسأله قبل (البروفة)، فلا يجيب وكأنه لم يستمع للسؤال.
يكرر عدد من أفراد الفرقة السؤال، بينما يخشى الموجى أن يذكر اسمًا خاطئًا أو يعلن على الملأ أنه لا يعرف، وبالتالى سيفقد ثقة العازفين، وجد الحل أن يمسك العود قائلًا لهم إنه سيضبط الأوتار، أثناء ذلك يبدأ فى العزف، وعلى الفور يتهامس العازفون باسم المقام، وهنا يعلو صوته قائلًا: (أمال أنا كنت بقول إيه من الصبح؟).
ومع تكرار تلك المواقف بدأ الموجى فى التقاط الأسماء، سيكة وبياتى ونهاوند وكُرد وصبا وعجم وحجاز وغيرها.
تخرج الموجى فى مدرسة الزراعة، وكان أمل العائلة أن يصبح أكبر (ناظر زراعة) فى البلد.
قلبه دفعه إلى طريق آخر، التقط بأذنه الحساسة الأنغام وكأنها تأتى إليه من السماء، وعن إبداعه الموسيقى نُوقشت أكثر من رسالة علمية دكتوراه وماجستير، فى محاولة لاكتشاف سر هذا التدفق النغمى، ولا أتصور سوى أن العلم لا يستطيع أن يحيل الإبداع إلى قواعد صارمة، أى دراسة علمية لن تستطيع الوصول إلى سحر الإبداع. على الجانب الآخر، بدأ الموجى يسعى لما هو أكثر من معرفة المقامات الموسيقية، أراد أيضًا أن يكتب (النوتة) الموسيقية، كان الموجى مثل أساتذته الكبار عبدالوهاب والسنباطى والقصبجى يستعين ببعض الدارسين لكتابة (النوتة)، حددوا ستة أشهر يتفرغ خلالها ساعتين يوميًا وبعدها يكتب بنفسه ألحانه، وجدها الموجى فكرة صائبة، إلا أنه أخفق كثيرًا فى الاستيعاب، وفى كل يوم يحاول أن يستعيد ما كتبه بالأمس ينسى ويبدأ مجددًا من المربع رقم واحد، شىء عصى حال بينه وبين الكتابة الموسيقية، أوضحه هو بعد ذلك أنه سيعزف اللحن أولًا، أو تحديدًا جزءًا منه، ثم يشرع فى كتابته، ثم يعيد الأمر مرة ثانية وثالثة وهكذا، اكتشف أن التدفق النغمى سوف ينقطع ويفقد اللحن مزاجه العام.
ولاحظ صديقه عبدالحليم حافظ تلك الحيرة التى يعيشها الموجى، فقال لكل الأساتذة والعازفين، وفى حضور الموجى، لو تعلم الموجى الكتابة سيفقد الإبداع، وأنهى الموجى بعدها تمامًا هذا الملف وصار يبحث عمن يكتب له النوتة.
هل حقًا لو تعلم الموجى لفقد الكثير من إبداعه؟ استنتاج خاطئ تمامًا، حتى لو كان مشاهير الموسيقيين لا يكتبون ألحانهم هذا لا يعنى أنهم لو كتبوها سيفقدون إبداعهم.
عندما أُنشئ معهد الكونسرفتوار، مطلع الستينيات، التحق به كل من الملحنين الكبار محمود الشريف وكمال الطويل وفؤاد حلمى من أجل الإلمام أكاديميًا بكل التفاصيل، ولكن، كما قال لى الأستاذ كمال الطويل، كنا قد تجاوزنا الأربعين من العمر، وصعب جدًا فى تلك المرحلة العمرية أن نترك كل مشاغلنا وهمومنا ونتعلم الموسيقى، فلم نتمكن من الانتظام فى مقاعد الطلبة، وقال لى الأستاذ محمود الشريف إنه لو عادت به الأيام لتعلم الموسيقى أكاديميًا.
صحيح أن الكبار بدون علم أمتعونا بالكثير، الصحيح أيضًا أنهم لو تعلموا لأمتعونا أكثر وأكثر وأكثر!!.
التعليقات