الإبداع الذى يتجاوز حدود الإبداع، التواضع الذى يخجل منه التواضع، التسامح الذى يسكن فقط القلوب البيضاء، هكذا كنت أرى مدير التصوير د. رمسيس مرزوق، لو أردت أن ترسم صورة من خلالها تشير للفنان ستكتشف أن ملامحه هى المعادل الموضوعى للفنان، وقبل وبعد كل ذلك ستجد العطاء الذى يفيض على الشاشة.
ظل مخلصا للتصوير الفوتوغرافى والأبيض والأسود، وكثيرا ما وجه لى الدعوة لزيارة معرضه، لم يتوقف هذا الطقس سوى مع الجائحة، التى اغتالت حياتنا فى العامين الماضيين.
عاش على القمة، فهو (الألفة) بين كل مصورى السينما، بدأ المشوار، بعد جيل العمالقة الرواد أمثال وحيد فريد وأحمد خورشيد وعبده نصر وعبد العزيز فهمى، فكان هو العلامة الفارقة على التميز.
قدم كل الأنماط، وعمل مع أهم المخرجين؛ يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وعاطف سالم وحسن الإمام وكمال الشيخ وسمير سيف وشريف عرفة ورضوان الكاشف وخالد يوسف ومحمد كامل القليوبى، وغيرهم، ستجده حاضرا فى أفلام مثل «المهاجر» و«إسكندرية كمان وكمان» و«الريس عمر حرب» و«خريف آدم» و«معالى الوزير» و«قاهر الزمن» و«اضحك الصورة تطلع حلوة»، وحتى الجدد منهم فى تجاربهم الأولى مثل فيلم «أسد سيناء» حسن السيد، وأتذكر أن د. رمسيس هو الذى حرص على دعوتى للعرض الخاص، اعتذرت، لأنى أفضل العرض الجماهيرى، إلا أنه جدد الدعوة، فلم أملك سوى الاستجابة، قلت له بعد العرض: إننى حزنت مما رأيته على الشاشة، أشفقت أن تبدد طاقتك فى هذا الشريط. أجابنى: كانت لى ملاحظات على السيناريو، قلتها لم يأخذوا بها، ولم يكن من المنطقى أن أعتذر عن عمل فنى يتناول أهم انتصار عاشه الوطن 6 أكتوبر 73.
من المعروف أن نجمات الشاشة يخترن فى العادة مدير التصوير، كانت فاتن حمامة لا ترتاح إلا فى وجود مدير التصوير وحيد فريد، بينهما لقاءات تتجاوز 60 فيلما، وعندما ذهبت للدراما التليفزيونية فى «ضمير أبلة حكمت»، كان لا بد من وجود وحيد فريد للإشراف على الإضاءة والتصوير، وبعد رحيل وحيد، اشترطت فاتن حمامة فى التجربة الثانية «وجه القمر» أن يتولى المسؤولية رمسيس مرزوق، ووافق على التجربة من أجل فاتن، وسبق أيضا فى فيلم «توت توت» وقبله «وسقطت فى بحر العسل» أن اختارته نبيلة عبيد.
سألته: هل هناك توازن بين ملامح البطلة والدراما؟.. قال لى: من واجبات مدير التصوير أن يضمن هذا التوازن، ليس الغرض قطعا تجميل صورة النجمة، ولكن فى نفس الوقت عندما أقدمها فى أحلى صورة ممكنة، ولا أخون الدراما، فما هى المشكلة إذن؟.
قديس الضوء والظل، هكذا أراه فهو مخلص لفنه إلى حد العبادة، إنها حكايته وحياته، ومعبده.
فقد قبل نحو 15 عاما ابنته الوحيدة الصحفية الشابة أمل رمسيس، فى حادث سير بأمريكا، عاشت زوجته الناقدة عواطف صادق فى حالة حزن دائم، فى أى لقاء أو مهرجان سينمائى لا تتحدث سوى عن أمل، وتنهار فى البكاء، لأنها لا تزال تنتظرها، كان يكتم آلامه، حتى أثناء العزاء داخل الكنيسة ظل صامتا، وقبل نحو أربع سنوات رحلت عواطف صادق، والتزم الصمت، وأخيرا اجتمعت الأسرة مجددا، مع القديسين والشهداء، وتلك هى مكانة د. رمسيس مرزوق.
التعليقات