حقيقة تتملكني غصة شديدة عندما أجد البنك الدولي يُدشن حملة عالمية للقضاء على الفقر، في حين أنني أرى الفقر ينمو مصاحباً لبرامجه.
ولأنني أتفق مع الهدف الأخير لحملته على الفقر، ولأن استفحال ظاهرة الفقر العالمي يُسأل عنها في الأساس هذا البنك الدولي وهذه الرأسمالية الاحتكارية، التي يدافع عنها ليل نهار، فإنني أحاول في النقاط التالية أن أرسل له برسالة، علها تلفت انتباهه إلى مسؤوليته الجسيمة عن هذا الفقر، وأن أقدم له رؤية أحد أبناء العالم الثالث للدور المنوط به في التصدي الحقيقي للفقر العالمي.
وقد راعيت في هذه النقاط أن تبدأ بالكلمات نفسها التي يبدأ بها حملته "من الممكن إنهاء الفقر":
• من الممكن إنهاء الفقر إذ لم تطالب الدول النامية بخصخصة القطاع العام والقضاء على الملكية العامة. إذ كيف سينخفض هذا الفقر ونتائج الخصخصة ينجم عنها تسريح العمالة وانضمامها إلى جمهرة الفقراء ومعدومي الدخل؟!
• من الممكن إنهاء الفقر عندما تساعد الحكومات النامية على ضبط أسواقها المحلية وتعزيز الرقابة عليها وتقديم خبرات استشارية حقيقية لها في مكافحة الاحتكارات المحلية والمستوردة. وألا تضغط عليها لتحرير هذه الأسواق بطريقة منفلتة. فقد تمخض عن التحرير ارتفاع كبير في معدلات التضخم وزيادة مؤسفة في معدلات الفقر.
• من الممكن إنهاء الفقر إذا ضغطت على الحكومات النامية لزيادة الضرائب المباشرة على الرأسمالية المحلية والأجنبية، لا سيما وأنك تعلم جيداً أن مساهمتها التنموية لا تتناظر مع الحوافز الضريبية السخية التي تحصل عليها، ويمكنك أيضاً أن تدعم أجهزة الضرائب في البلدان الفقيرة لمساعدتها على مكافحة التهرب الضريبي لهذه الرأسمالية. فقد يُفهم من غَضِكَ الطرف عن هذا الموضع أنك تدعم تلك الرأسمالية الانتهازية في خطتها لاستنزاف موارد الفقراء وأوطانهم.
• من الممكن إنهاء الفقر عندما تكف عن مُطالبة الحكومات النامية بتحرير التجارة الخارجية وفتح الباب على مصراعيه لتجارة الاستيراد. لأننا نعلم أنك بذلك تدعم الرأسمالية المصدرة في الدول المتقدمة، والتي لا تكترث البتة لأحوال الفقراء الذين سيكتوون بارتفاع أسعار السلع الأساسية في غمار هذا التحرير المنفلت.
• من الممكن إنهاء الفقر إذا دعمت قدرات الحكومات على تطوير وتهيئة البنية الأساسية (المياه النقية - الصرف الصحي ... الخ ) التي يحتاجها الفقراء ولا يجدونها. وأن تتوقف عن الضغط على الحكومات النامية لفتح المجال أمام القطاع الخاص لتمويل وإدارة مشروعات البنية الأساسية بطريقة تزيد من تكلفة استخدام الفقراء لها، إذا لبت تلك المشروعات حاجتهم لها أصلاً.
• من الممكن إنهاء الفقر إذا عارضت السياسات الاقتصادية للرأسمالية الاحتكارية الدولية، والتي تعلم أكثر من غيرك دورها في نهب خيرات الدول الفقيرة قديماً وحديثاً.
• وأخيراً، من الممكن إنهاء الفقر عندما تتوقف عن دعم شقيقك صندوق النقد الدولي، والذي يجبر الحكومات النامية على اتباع سياسات اقتصادية انكماشية تزيد من عدد الفقراء والمحرومين وتنسف بالطبقة الوسطى في البلدان الفقيرة.
فيا أيها البنك الدولي، عندما تأخذ في اعتبارك الموضوعات السابقة، وتؤمن حقيقة بقضايا الفقراء العادلة، حينها، وحينها فقط، يصبح "من الممكن إنهاء الفقر" الذي صنعته، أنت وشركاؤك الدوليين، على أعينكم الآثمة!
د. محمد يوسف
استاذ الاقتصاد المساعد - مؤسس منتدى التنمية الاقتصادية
التعليقات