يعرف ارتفاع ضغط العين (Ocular hypertension) بشكل مبسط على أنه وجود زيادة فعلية في الضغط داخل العين عن المعدلات الطبيعية، ودون أن يرافق ذلك تضرر في العصب البصري وظهر البقع العمياء في ساحة الرؤية، ودون أن يكون هنالك أي مرض أو مشكلة محددة في العين تتسبب بالارتفاع في ضغط العين، وهنا لابد من الإشارة إلى أن ارتفاع ضغط العين يتطلب المتابعة مع طبيب مختص كونه عامل يزيد خطر تتضرر العصب البصري وإصابة الفرد بالجلوكوما أو داء الزرق (Glaucoma)؛ إذ يشترط للقول بأن الشخص الذي لديه ارتفاع في ضغط العين مصاب فعلياً بمرض الجلوكوما أن يتسبب الارتفاع في ضغط العين بتضرر العصب البصري، ونقص ساحة الرؤية، أو أن يكون هنالك سبب أو مرض محدد في بنية العين تتسبب بارتفاع الضغط داخلها.
وفي الحقيقة لا توجد دراسة واضحة لنسبة انتشار الارتفاع في ضغط العين بين الناس، ولكنها تقدر ما بين 4-10% من السكان الذين تزيد أعمارهم عن أربعين عاماً اعتماداً على مجموعة من الدراسات الإحصائية الكبرى، وينبغي التنبيه إلى أن الارتفاع في ضغط العين لا يرافقه أي أعراض أو علامات أولية يلاحظها المصاب في العادة، إلى أن يتقدم، ويبدأ العصب البصري بالتضرر والتلف، وتبدأ أعراض نقص الرؤية بالظهور والتي تتمثل بظهور بقع عمياء في الأجزاء الجانبية أو المركزية لساحة الرؤية، وبالتالي يمكن أن يكون لدى الفرد ارتفاع في الضغط داخل العين ولا يعي ذلك، فالطريقة الوحيدة للكشف عن الارتفاع في ضغط العين تكون بالخضوع لفحص لقياس الضغط داخل العين (Tonometry) لدى طبيب مختص، ولذلك من المهم زيارة طبيب العيون بشكل منتظم للاطمئنان على صحة وسلامة العينين.
أسباب ارتفاع ضغط العين
لفهم المشكلة الحاصلة في ضغط العين بصورة أوضح، يمكن القول أن العين تنتج سائلاً شفافاً يعرف باسم الخلط المائي (Aqueous humor)، ويختلف هذا السائل عن الدموع؛ فهو يملء الحجرات الأمامية للعين بشكل مستمر، ويعمل على تزويد الأجزاء الأمامية من العين التي لا تصلها تغذية دموية مباشرة بالمغذيات اللازمة، وتخليصها من الفضلات والمواد الضارة، وفي الحقيقة يتدفق هذا السائل عبر حجرتين صغيرتين في مقدمة العين ويتم تصريف إلى خارجها من خلال قنوات تصريف يصل إليها السائل بعد عبوره الزاوية التي تلتقي فيها القزحية (الجزء الملون من العين) مع القرنية (الغشاء الشفاف الذي يغطي القزحية، وحدقة العين، والحجرة الأمامية من العين)، ففي الزاوية التي تلتقي فيها القزحية مع القرنية يوجد نسيج اسفنجي يعرف بالشبكة التربقية (Trabecular meshwork)، يعمل كمصفاة يمر عبرها غالبية الخلط المائي ليتم تصريفه إلى خارج الحجرة الأمامية من العين، في الوضع الطبيعي تكون كمية السائل التي تتدفق عبر الحجرات الأمامية للعين مساوية تقريباً لكمية السائل الذي يتم تصريفه خارجها، وبذلك يتم الحفاظ على ثبات الضغط داخل العين، وبالتالي فإن أي مشكلة تزيد إنتاج الخلط المائي أو تعيق تصريفه سيترتب عليها ارتفاع في الضغط داخل العين.
وجدير بالذكر أن المشكلة غالباً ما تتمثل بوجود مقاومة أو إعاقة في تصريف الخلط المائي، وليس زيادة في إنتاجه، ومن المؤسف القول أن السبب الحقيقي وراء حدوث هذه المشاكل في تدفق الخلط المائي غالباً ما يكون غير واضح ولا يمكن تحديده.
وهنالك عدد من الأسباب والمشاكل التي وجد أنها قد تكون سبباً في ارتفاع ضغط العين، ويجدر بالذكر أن اكتشاف الطبيب لمرض أو مشكلة محددة كانت السبب في ارتفاع ضغط العين لدى المصاب تجعله مؤهلا للحصول على تشخيص طبي بالإصابة بالجلوكوما، وفيما يلي طرح لمجموعة من هذه الأسباب:
التهاب العنبية (Uveitis):
وبعض أمراض العين الالتهابية الأخرى؛ إذ يمكن أن تتراكم مركبات ضارة ناجمة عن الالتهاب بالشبكة التربقية وتعيق تصريف الخلط المائي عبرها، أو تتسبب بالتهابها وانسدادها، أو أن يتسبب الالتهاب بإغلاق زاوية التصريف، كما أن الالتهاب المزمن والذي يستمر لفترة مطولة يمكن أن يتسبب بتشكل أنسجة ندبية ويزيد من الإعاقة لعملية تصريف الخلط المائي.
متلازمة التقشر أو التقشر الكاذب (Exfoliation syndrome or Pseudoexfoliation):
والتي تتمثل بتراكم بروتينات غير طبيعية في العين، وغالباً ما يكون ذلك في زاوية تصريف الخلط المائي والشبكة التربقية، الأمر الذي في حال حدوثه يتسبب بإعاقة القدرة على تصريف الخلط المائي.
تبعثر الصبغة (Pigment dispersion):
والتي تتمثل بانطلاق أصباغ من القزحية تعلق في الشبكة التربقية وتعيق تصريفها للخلط المائي.
التعرض لإصابة في العين:
سواء كان لك بالتعرض لإصابة مباشرة في العين يمكن أن يتسبب بنزيف يعيق تصريف الخلط المائي أو يدفع القزحية لتلغق زاوية التصريف، أو حصول خطأ أثناء عملية جراحية سابقة في العين، وخاصة في عمليات انفصال الشبكية.
استخدام بعض أنواع الأدوية:
وخاصة استخدام الأدوية الستيرويدية (Steroids) لفترة طويلة، حيث إن الاستخدام المطول اللأدوية الستيرويدية سواء كانت على شكل قطرات، أو مراهم لجفن العين، أو شراب أو أقراص فموية، أو حقن، أو لصقات جلدية؛ فقد لوحظ أن الأدوية الستيرويدية يمكن أن ترفع الضغط داخل العين وإذا كان الارتفاع الناجم عن استخدامها كبيراً واستمر لمدة مطولة يمكن أن يؤدي للإضرار بالعصب البصري.
بعض المشاكل الخلقية في العيون (Congenital abnormalities):
إذ يمكن لبعض الاضطربات الخلقية في بنية العين أن تكون سبباً للإصابة بالجوكوما، وخاصة إذا تمثلت المشكلة باضطراب في العصب البصري.
بعض مشاكل عدسة العين:
فعلى سبيل المثال يمكن أن يتسبب مرض الساد أو المياه البيضاء (Cataracts) الذي يصيب عدسة العين، أن يتسبب بإغلاق زاوية تصريف الخلط المائي في مراحله المتقدمة وبالتالي الإصابة بالجلوكوما.
تشكل أوعية دموية جديدة في العين:
فعلى سبيل المثال يمكن لبعض المشاكل التي تؤثر في شبكية العين (Retina) مثل: اعتلال الشبكية السكري، وانسداد الوريد المركزي للشبكية أن تقلل التروية الدموية للشبكية وتدفع الجسم لتشكيل أوعية دموية جديدة لتعويض نقص التروية الدموية، قد تكون سبباً في ارتفاع ضغط العين وإغلاق زاوية تصريف الخلط المائي.
أورام العيون:
في بعض الحالات يمكن أن ينشأ ورم في العين ويؤثر في زاوية تصريف الخلط المائي أو يتسبب بإغلاقها رافعاً من ضغط العين، خاصة إذا نشأ الورم في القزحية سواء كان ذلك بسبب كبر حجم الورم، أو تسببه بتشكل أوعية دموية جديدة في العين للحصول على تغذية إضافية، أو غير ذلك.
عوامل تزيد خطر ارتفاع ضغط العين
يجدر القول أن جميع الأفراد معرضون لارتفاع ضغط العين، وهذا ما دفع الأكاديمية الأمريكية لطب العيون بتوصية الأفراد بالخضوع لفحص شامل للعيون كل 5-10 سنوات إذا كانت أعمارهم تقل عن 40 عاماً، وكل 2-4 سنوات للفئات العمرية بين 40-54 عاماً، وكل 1-3 سنوات للأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 55-64 عاماً، وكل سنة إلى سنتين للأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، ولكن هنالك عوامل تجعل الفرد أكثر عرضة للارتفاع في ضغط العين مقارنة بغيره، ويُوصى هؤلاء بالخضوع للفحوصات الشاملة للعيون بمعدل أكثر تكراراً ويُنصحون بسؤال الطبيب عن معدّل الانتظام في فحوصات العيون الشاملة التي ينبغي أن يخضعون لها، ونذكر من عوامل الخطر هذه ما يلي:
- الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي بالإصابة بارتفاع ضغط العين.
- الأفراد المصابون بمرض السكري أو مرض ارتفاع ضغط الدم.
- الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 40 سنة.
- الأشخاص الذين ينتمون لبعض الفئات العرقية، وتحديداً؛ الأمريكيون من أصل إفريقي واللاتينيون.
- المعاناة من قصر النظر (بالإنجليزية: Nearsightedness).
المتابعة الطبية للمصابين بارتفاع ضغط العين
يقيم الطبيب ضغط العين وعوامل الخطر الأخرى لدى الفرد والتي تجعله أكثر عرضة لحدوث ضرر في العصب البصري والإصابة بالجلوكوما، وبناء على ذلك يحدد ما إذا كان المصاب بارتفاع في ضغط العين بحاجة لعلاج لخفض ضغط العين أم لا، كما يقرر بناء على هذه العوامل معدل فحوصات المتابعة المنتظمة التي ينبغي أن يحصل عليها الفرد، والتي تتفاوت بشكل كبير من حالة إلى أخرى، وينبغي التنبيه على ضرورة الالتزام بزيارة عيادة الطبيب حسب توصياته، والخضوع للفحوصات التي يوصي بها لما لذلك من دور كبير في التحكم الفعال في ارتفاع ضغط العين، والتأكد من عدم تسببه بالإصابة بالجلوكوما، والمسارعة لعلاجه في وقت مبكر في حال تطور الحالة، خاصة أن علاج الجلوكوما في مراحلها الأولى أكثر فعالية ويساهم في حماية المصاب من حدوث تلف كبير في العصب البصري ومشاكل دائمة في النظر قد تصل إلى حد العمى، ويمكن بشكل عام بيان أهم الفحوصات التي يجريها الطبيب بشكل منتظم لمتابعة المصابين بارتفاع في ضغط العين فيما يلي:
تفحّص العصب البصري:
لإجراء هذا الفحص يضع الطبيب في عين المصاب قطرة تعمل على توسيع البؤبؤ، ثم يستخدم جهازاً ينبعث منه ضوء، ويحتوي على عدسة مكبرة، مما يتيح للطبيب تفحص العصب البصري، والكشف عن تعرضه لأي تضرر أو تلف.
قياس ضغط العين:
هنالك عدة طرق لقياس ضغط العين، ومنها: الاستعانة بمجهر يعرف بالمصباح الشقي (Slit lamb)؛ ولإجراء الفحص يطلب من المريض الجلوس على كرسي، ويضع الطبيب في عينه قطرة لتخديرها موضعياً، بالإضافة لصبغة معينة، ومن ثم يطلب من المريض إراحة ذقنه على موقع محدد في المجهر، والنظر بالعين عبر فتحة المجهر، ومن ثم يستخدم الطبيب أداة تعرف بمقياس ضغط العين تتيح تقدير قيمة الضغط داخل العين، ويجدر بالذكر أنه يوصى بإزالة العدسات اللاصقة إذا كان الفرد يستخدمها قبل الاختبار لأن الصبغة المستخدمة في الفحص يمكن أن تتسبب بتصبغ العدسات اللاصقة بشكل دائم.
فحص ساحة الرؤية:
وهو فحص وظيفي يعني باختبار مجال رؤية المصاب، والتحقق من ظهور أي مشاكل في ساحة الرؤية (على الجانبين والمركز).
التعليقات