تُحضر الإمارات لإصدار مؤلفاً علمياً متكاملاً يهدف للتحقق والربط بين الماضي والحاضر، وبصفة خاصة ممارسات الصقارة القديمة والتراث المعرفي والفني المرتبط بها كما تم توثيقه في المؤلفات التي كتبت في الفترة من القرن الثامن إلى الثالث عشر، وممارسات الصقارة الحالية والمعرفة المرتبطة بها في مختلف أنحاء العالم، وذلك عبر ما أُعلن خلال المؤتمر الزمالة البحثية الذي عُقد بمقر جامعة نيويورك أبوظبي مطلع الشهر الجاري، والذي افتتحه معالي ماجد المنصوري (الأمين العام لنادي صقاري الإمارات)، ويأتي هذا المؤتمر بموجب اتفاقية إنشاء برنامج الزمالة البحثية بين الجامعة، الصندوق الدولي للحفاظ على الحبارى في أبوظبي ونادي صقاري الإمارات التي تمّ توقيعها عام 2017.
وناقش المؤتمر، الذي شهد مشاركة كوكبة مُتميّزة من المتحدثين والخبراء، تصوّر الجوارح والصقّارة من العصور القديمة الأثرية والفن الأصغر سناً. وصور الطيور منذ وقت مبكر، وكذلك الكهف والفن الصخري في محاضرات البروفيسور آردينبات أولامبايار (منغوليا) والدكتورة ماريا لازاريش غونزاليس (إسبانيا).
وناقش أيضاً تناول صور الصقّارة من المنطقة العربية في المحاضرات المقدّمة من قبل الدكتور فيرينا دايبر (ألمانيا) والطبيبة ماجدالينا فالور (إسبانيا). في المقابل، قدّم البروفيسور بودوين فان دن أبيلي (بلجيكا) محاضرة عن مجموعة كبيرة من صور الصقّارة الأوروبية بعد 1000م.
وقدّم البروفيسور أنيتا غاماوف (النمسا) مُحاضرة عن تصوّر الطيور والصقّارة على خلفية أوسع من المحاضرات، كمثال عن بيولوجيا طيور الصيد من قبل، إضافة إلى محاضرة أخرى من البروفسور الدكتور ألان واربورتون (الصين) حول انعكاس الدور الديني على الطيور في فترات أثرية تعود إلى آلاف السنين.
وأوضح منظمو المؤتمر بأن الصقّارة، أو كما يعرف عنها فن الصيد بالصقور، قد نالت الاعتراف من قبل منظمة اليونسكو "كتراث ثقافي غير مادي للبشرية". وذلك بفضل الدور الكبير لنادي صقاري الإمارات في نجاح الجهود الدولية بقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة في تسجيل الصقارة ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في منظمة اليونسكو في عام 2010 حيث يعود تاريخ الصقارة إلى قرابة 4000 عام حسب الوثائق الموجودة في النادي.
وقد تركت العديد من الآثار المختلفة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الصور، لافتين إلى أن المسألة الجوهرية للمؤتمر تكمن في الفهم النقدي للصور: تصوّر الصقور هو تعبير عن العلاقة الخاصة بين الجوارح والإنسان، مع العديد من النقوش الرمزية المختلفة، في حين أن الصور القديمة للطيور يجب أن ينظر إليها على أنها انعكاس للمعنى الديني.
ويأتي تنظيم هذا المؤتمر بالتعاون مع نادي صقاري الإمارات، والصندوق الدولي للحفاظ على الحبارى في أبوظبي، وذلك بهدف استضافة معظم المؤلفين المحتملين الذين تمّ اختيارهم للمشاركة في إعداد كتاب لدراسة التاريخ والتراث الثقافي المُتعلّق بالصيد بالصقور (الصقّارة) لتقديم أبحاثهم ومناقشتها في هذا المؤتمر.
هذا و"سيكون البرنامج لمدة سنتين، ويتضمّن التنظيم والإعداد لتأليف مطبوعة عالمية بعنوان "التصوير العالمي للصقارة، من نحو 3000 سنة قبل الميلاد وحتى العصر الحالي"، ويتضمن هذا المؤلف "الكتاب" نحو 50/60 مقالاً يكتبه خبراء دوليون يمثّلون مختلف التخصّصات، بما في ذلك علم الآثار، الأنثروبولوجيا، التاريخ، تاريخ الفن والدراسات الإعلامية الخ.
ويعمل كمحرّر أول للكتاب الدكتور أوليفر غريم، باحث أول في مركز الآثار البلطيقية والإسكندنافية في شليسفيغ بألمانيا، إضافة إلى قيامه بتقديم التوجيهات العامّة أو مساهمات مُتخصّصة للبحوث التي تستند إليها المقالات، وذلك بمساعدة مجلس استشاري للتحرير يتألف من عدد متساو من ممثلي الصندوق والجامعة والنادي.
وسوف يتم تنظيم وتوجيه المرحلة التحريرية للمشروع التي سيتم خلالها استعراض حوالي 50/60 مسودة مختارة، وتحريرها، لتصبح جاهزة للنشر. وسوف يتضمن هذا العمل جمع الصور، واقتناء حقوق النشر، والأذونات لاستخدام هذه الصور في الكتاب، ستكون بإشراف الدكتورة آن ليز تروباتو، منسّق البرنامج ومساعد التحرير لبرنامج الزمالة البحثية في العلوم الإنسانية في الجامعة، إضافة إلى قيامها بإنشاء قاعدة بيانات مشروحة لصور الصقارة؛ والتي سيكون الوصول إليها مفتوحاً أمام العلماء والجمهور.
وفي كلمته التي افتتح بها أعمال المؤتمر قال معالي ماجد المنصوري "يتصادف انعقاد هذا المؤتمر مع عام استثنائي لنا في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يصادف الذكرى المائة لمولد المؤسس الشيخ زايد، طيب الله ثراه، صاحب الرؤية المتقدمة التي تقوم على حفظ التوازن بين الثقافة والبيئة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والذي أدرك منذ وقت مبكر التحديات التي تفرضها التنمية السريعة والزحف العمراني على التراث والهوية الوطنية، فوضع لنا الأسس التي نسير عليها اليوم من أجل بناء حاضرنا ومستقبلنا دون التفريط في تراثنا وتقاليدنا."
واكد مخاطبا الحضور " نجتمع مع هذه الكوكبة من العلماء والمختصين في هذا البرنامج المشترك بين جامعة نيويورك أبوظبي والصندوق الدولي للحفاظ على الحبارى ونادي صقاري الإمارات ومشروعهما المشترك لإنشاء أرشيف الصقارة في الشرق الأوسط، لكي نعمل معاً من أجل الإسهام في رفع مستويات الوعي بهذا التراث الإنساني وبدوره في تعميق الاستدامة والشغف بالطبيعة والحياة الفطرية، والتعريف بمكانة الصيد بالصقور كممارسة تقليدية تجمع الناس من مختلف الثقافات والخلفيات الاجتماعية، بما يشيع التعاون والسلام وقبول الآخر والتعرف على العناصر التي توحد بين مختلف الأطياف والأعراق والثقافات.
التعليقات