"شادية" التي "شبكت قلوب" العاشقين بابتسامة طفولية بريئة، تنادي بصوتها العذب "قولوا لعين الشمس" فتنثر سعادة وحب يأخذ مريديها لعالم آخر يصل حد القمر، في حضرتها يتلاقى الأحبة في تحدٍ "أقوى من الزمن"، وعندما تقرر الرحيل معلنة "خلاص مسافر" لم تتلق من عشاقها رد إلا "صابرين" على فراق "دلوعة السينما".
لم تنتظر حتى تهجرها الأضواء، فقررت الرحيل في هدوء معتزلة هي الأضواء، ليظل عشاقها محتفظين بأجمل صورة لصاحبة الابتسامة الطفولية البريئة، فاكتفوا لسنوات بمشاهدتها عبر شاشات التلفاز، والاستماع لصوتها الممزوج بالموسيقى لتنتشر السعادة والحب والمرح في الأرجاء، وللمرة الثانية تأبى "دلوعة السينما" وهي على فراش المرض أن تهتز صورتها في خيال العشاق فتقرر الرحيل الأبدي في صمت.
الأضواء .. والاعتزال
رغم مرور نحو 33 عاما على قرار الفنانة الراحلة شادية الاعتزال وهجرة الأضواء، غير أن الأضواء أبت أن تهجرها طيلة تلك السنوات، فظلت أخبارها مثار اهتمام عشاقها الذين ارتبطوا بدلوعة السينما المصرية وأعمالها الفنية.
ظلت أخبار النجمة الراحلة مادة دسمة لوسائل الإعلام، حتى مع حرصها الشديد على الاحتفاظ بأكبر قدر من الخصوصية لحياة ما بعد الاعتزال.
يتذكر الجمهور دوما ما قالته الفنانة الراحلة، لحظة إعلان الاعتزال، وهي في الخمسين من عمرها، عندما قالت "لأنني في عز مجدي أفكر في الاعتزال لا أريد أن أنتظر حتى تهجرني الأضواء بعد أن تنحسر عني رويدًا رويدًا.. لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز في الأفلام في المستقبل بعد أن تعود الناس أن يروني في دور البطلة الشابة".
ومضت قائلة "لا أحب أن يرى الناس التجاعيد في وجهي ويقارنون بين صورة الشابة التي عرفوها والعجوز التي سوف يشاهدونها، أريد أن يظل الناس محتفظين بأجمل صورة لي عندهم ولهذا فلن أنتظر حتى تعتزلني الأضواء وإنما سوف أهجرها في الوقت المناسب قبل أن تهتز صورتي في خيال الناس".
وبعيداً عن أعمالها الفنية الخالدة، حظت الفنانة الراحلة بجانب إنساني في حياتها، لا سيما بعد الاعتزال، حيث كرست حياتها في ذلك الوقت لرعاية الأطفال الأيتام خاصة وأنها لم ترزق بأطفال، وكانت تتوق أن تكون أما وأن تسمع كلمة "ماما".
تلك الأمنية سجلتها شادية بخط يدها قبل عشرات السنين، فقد كانت إحدى المجلات الفنية في زمن الفن الجميل تتبع تقليدًا محببًا لقلب النجوم والقراء على حد سواء، وهو أن يتم اختيار سؤال يطرحه أحد القراء على النجم، ليجيب الفنان بخط يده على هذا السؤال ويتم نشره على صحفات المجلة.
وكانت أكبر أمنية لشادية هي أنها تمنى أن لديها دستة من الأطفال عندما تبلغ سن الخمسين".
فنانة شاملة
شادية فنانة مصرية، تميزت بحيويتها وخفة ظلها وشاركت في العديد من الأفلام المهمة بتاريخ السينما المصرية خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، استطاعت بموهبتها في الغناء والتمثيل أن تصبح أحد أبرز نجمات السينما، كما اعتبرها الكثير من النقاد أهم فنانة شاملة ظهرت في تاريخ الدراما العربية، وأطلق عليها لقب (دلوعة السينما المصرية).
الحلمية الجديدة
ولدت فاطمة أحمد كمال الدين شاكر في 8 فبراير 1934 في الحلمية الجديدة بحي عابدين العريق في القاهرة لأم تركية وأب مصري من محافظة الشرقية، وكان والدها يعمل مهندساً زراعياً ومشرفاً على أراضي المزارع الملكية في قرية إنشاص الرمل بالشرقية.
عماد حمدي وصلاح ذوالفقار
تزوجت الفنانة شادية في بداية حياتها من الفنان عماد حمدي الذي كان يكبرها بحوالي 20 عاماً ولكن لم يستمر زواجهما أكثر من 3 سنوات، ثم تزوجت من المهندس عزيز فتحي عام 1957 والذي انفصلت عنه أيضاً بعد 3 سنوات.
وفي عام 1965 تزوجت شادية من الفنان صلاح ذوالفقار بعد قصة حب ملتهبة ولكنهما قررا الطلاق عام 1972، وعلى الرغم من تعدد زيجاتها إلا أنه لم يكتب لها الإنجاب بينما ظلت الأم الروحية لابن زوجها السابق نادر عماد حمدي من زوجته الأولى فتحية شريف.
فتوش
كانت "فتوش" - اللفظ التركي لاسم فاطمة- تعشق الغناء والتمثيل منذ الصغر، وكانت بارعة في تقليد الفنانة ليلى مراد التي حفظت أغانيها عن ظهر قلب، فشجعتها شقيقتها عفاف التي فشلت محاولتها في دخول عالم الفن لاعتراض والدها وعملت على تحقيق أحلامها عن طريق شقيقتها.
ليلى مراد
خشت شادية رد فعل والدها الذي سبق أن قاطع أختها الكبرى لمدة عام بسبب رغبتها في دخول عالم الفن، فدبرت مؤامرة لإقناعه بموهبتها حيث استغلت وجود المغني التركي منير نورالدين مع العائلة في إحدى المناسبات وطلبت من جدتها أن تدعوها للغناء أمام الجميع.
استجابت الجدة على الفور لطلب حفيدتها التي قامت بأداء أغنية ليلى مراد (بتبص لي كده ليه)، وبالفعل نالت إعجاب "نور الدين" الذي قرر أن يساعدها على صقل موهبتها بالدراسة، فأحضر لها من علمها العود و(الصولفيج) ومنذ تلك اللحظة أدرك والدها موهبة ابنته.
محمد فوزى
شهد عام 1947 أول تعارف بين شادية والجمهور من خلال دور ثانوي في فيلم (أزهار وأشواك) لم يكن له الأثر الأكبر على مسيرتها المبكرة، إلا إنها قفزت إلى أدوار البطولة في نفس العام من خلال فيلم (العقل في إجازة) مع الفنان محمد فوزي.
شادية
كان المخرج حلمي رفله أطلق عليها للمرة الأولى اسم شادية في ذلك الفيلم حيث أدهشت الجميع بأدائها المتميز للألحان والجمل الحوارية وهي دون الثالثة عشرة من عمرها، فأصبحت أكبر المرشحات لخلافة ليلى مراد في مملكة الغناء والتمثيل معاً.
كمال الشناوى
قدمت الفنانة المصرية في الخمسينيات ثنائي شهير مع الفنان عماد حمدي والفنان كمال الشناوي من خلال أفلام (أشكي لمين) و(أقوى من الحب) و(ارحم حبي)، ويُعد عام 1952 أكثر أعوامها الفنية ازدهاراً في السينما حيث قدمت حوالي 13 فيلماً بمعدل فيلم كل شهر.
جاءت فرصة العمر لشادية عام 1959 من خلال دورها في فيلم (المرأة المجهولة) لتثبت قدرتها العالية على تجسيد كافة الأدوار حيث قدمت دور الأم العجوز وهي لا تزال في 30 من عمرها، بينما كانت النقلة الأخرى في مشوارها الفني من خلال أفلامها مع صلاح ذوالفقار والتي أخرجت بها طاقتها الكوميدية في أفلام (مراتي مدير عام) و(كرامة زوجتي) و(عفريت مراتي).
كما قدمت فيلم (أنا الحب) ليكون بداية انطلاقها بالدراما وهي لم تزل بعمر الورود، ووقفت لأول مرة على خشبة المسرح عام 1985 لتقدم مسرحية (ريا وسكينة) مع سهير البابلي وعبدالمنعم مدبولي وحسين كمال لمدة 3 سنوات في مصر والدول العربية.
ربع قرن على عرش الغناء والتمثيل
ظلت الفنانة المصرية نجمة الشباك الأولى لمدة تزيد على ربع قرن، وقدمت خلال فترة ما يقارب أربعين عاماً حوالي 112 فيلماً و10 مسلسلات إذاعية، بالإضافة إلى مسرحية واحدة وما يتجاوز 1500 من الأغاني العاطفية والوطنية، إلى جانب عدد كبير من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والأعمال الإذاعية.
وانطلقت شادية على يد المخرج أحمد بدرخان الذي كان يبحث عن وجوه جديدة فتقدمت وأدت وغنت ونالت إعجاب كل من كان في استوديو مصر، إلا أن هذا المشروع توقف ولم يكتمل، ولكن في هذا الوقت قامت بدور صغير في فيلم (أزهار وأشواك)، وبعد ذلك رشحها أحمد بدرخان لحلمي رفلة لتقوم بدور البطولة أمام محمد فوزي في أول فيلم من إنتاجه وهو (العقل في إجازة).
وقد حقق الفيلم نجاحًا كبيراً مما جعل محمد فوزي يستعين بها بعد ذلك في عدة أفلام هي الروح والجسد، الزوجة السابعة، صاحبة الملاليم، بنات حواء، قبل أن تنطلق في عالم النجومية بعشرات الأفلام والمسرحيات.
"شادية" حملت بالفعل مرتين لكنهما لم تكتملا، رغم حرصها في المرة الثانية على عدم المشاركة في أية أعمال فنية حفاظًا على الجنين، الذي كانت تتمناه
المكالمة الأخيرة
وكانت المداخلة الهاتفية الأخيرة للفنانة الراحلة شادية التي أجراها الإعلامي عمرو الليثي، في برنامجه "بوضوح"، تعليقا على أحداث ثورة يناير 2011..استهلت "شادية"، المكالمة الهاتفية بطمأنة محبيها على صحتها، قائلة: "أنا كويسة الحمدلله نحمد ربنا بس الحالة يعني أنت عارف اللي فيها"، ليسألها "الليثي": "حاسة بإيه يا أمي؟"، فأجابته: "ياااه ربنا يعلم الواحد حاسس بإيه، مش عارفة أقول إيه أنا مش مصدقة اللي بيحصل ده.. ربنا يحرس مصر والحالة تتعدل يارب".
وأضافت: "مصر دي اسمها مكتوب في القرآن، يعني لازم ولادنا يحافظوا عليها"، ووجهت رسالتها لطرفي الصراع في الميادين -آنذاك- قائلة: "حرام اللي بيحصل ده مش مصر اللي يحصل فيها كده.. مش ممكن مصري يعمل في بلده كده".
واختتمت حديثها قائلة: "والله بصلي وبدعي لمصر وبقرأ قرآن، وبلدنا مؤمنة.. يارب".
د. مصطفى محمود
وكانت شادية قامت بعد اعتزالها بالمشاركة في ندوة يديرها العالم الراحل الدكتور مصطفى محمود تحدثت فيها عن أسباب اعتزالها الفن، مؤكدة أنها اعتزلت الفن بعد أن قامت بأداء رسالتها الفنية كاملة، وأن موهبتها الفنية كانت نعمة من الله، وقالت إنها كانت تحرص على إقامة الصلاة وأداء الفروض الدينية قبل الاعتزال.
وتابع: "كنت ناجحة في حياتي الفنية، ولكن كنت دائمًا يجيلي قلق أثناء النوم، ومعرفش من أية، وحسيت أني لازم أسيب الفن، واعتزل".
ويعد هذا الحوار الوحيد للفنانة شادية بعد اعتزالها الفن وظهورها بالحجاب.
اعتزالها الفن
كشف نجل شقيقة الفنانة شادية خالد شاكر في لقاء سابق أن قرار اعتزال الفنانة الكبيرة له علاقة بالدين ولم يكن مجرد اعتزالاً فنيًا فحسب.
وأشار شاكر إلى أنها كانت تلتقي بالشيخ الشعراوي والدكتور مصطفى محمود خلال تلك الفترة، حيث كانا لهما تأثيرًا غير مباشرًا على قرار اعتزالها.
وأوضح نجل شقيقتها أن تلك اللقاءات كانت مثل الدروس، مؤكدًا أنها كانت متدينة قبل الاعتزال.
آخر أغانيها
يذكر أنه في شهر نوفمبر بعام 1986، وقفت شادية على مسرح الجمهورية لتشدو آخر أغانيها "خد بإيدي" في الليلة المحمدية، واعتبر الكثيرون أنها كانت تدعو الله للتوبة والغفران.
وكانت تلك الأغنية من كلمات الشاعرة عليه الجعار، ومن تلحين الموسيقار عبدالمنعم البارودي.
التعليقات