الرياضيات بالنسبة لماكسيم نيتشه هي ببساطة شيء جميل، فهي عالم من الروعة حيث يبدو كل شيء منطقيا وله معنى، وهي "مسألة لها رونقها في عالم مركب بشكل متزايد".
وفي حالة ماكسيم، فإن الرياضيات تعني أيضا الدولارات والسنتات، الكثير منها، ففي شهر أكتوبر، استحوذت شركة "كيج" الأمريكية المتخصصة في تقديم خدمات التعليم الرقمي لطلاب المدارس الثانوية والجامعات، والتي يتم تداول أسهمها في بورصة نيويورك، على شركة "كوجيون جي.إم.بي.إتش" المتخصصة في مجال تقنيات الرياضيات التكيفية، والتي شارك في تأسيسها هذا الشاب الألماني البالغ من العمر 22 عاماً، جاء ذالك وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء الألمانية.
وبلغت قيمة الصفقة 12.5 مليون يورو، أي حوالي 15 مليون دولار أمريكي نقداً، وهناك أيضا احتمال الحصول على مبالغ إضافية تصل إلى 7.5 مليون يورو يتم تسديدها في صورة أموال نقدية، أو أسهم علاوة على 3.2 مليون يورو في صورة سندات مالية على مدار السنوات الثلاثة المقبلة.
فالرياضيات بالقطع قد تصبح مصدرًا للثروة.
وابتكرت شركة "كوجيون"، تطبيقا إلكترونياً متخصص في مجال الرياضيات يعمل على أنظمة تشغيل أندرويد، ويحمل اسم "ماس 42"، ويعتبر هذا التطبيق من بنات أفكار ماكسيم، ويصفه بأنه "مدرس رقمي خاص" ويتوافر في ست لغات، ويشرح هذا التطبيق الإلكتروني للمستخدم كيفية حل عدد كبير من المسائل الحسابية، مثل تحويلات حساب المثلثات أو المعادلات الرباعية.
ويشرح هذا التطبيق الإلكتروني، الإجابات بشكل تدريجي، وهو مجهز برسوم تفاعلية لشرح المفاهيم المجردة، بل ويمكنه تحديد نقاط القوة والضعف لدى المستخدم.
وخلال مؤتمر صحفي لدى إعلان صفقة الاستحواذ على شركة كوجيون، قال نيثان شولتز كبير مسئولي قطاع التعليم في شركة كيج إن "الرياضيات تمثل نقطة مؤلمة بالنسبة للطلاب في هذه الآونة".
وأضاف، إن "الضعف في الحساب" استشري في العملية التعليمية، وكذلك في مراحل التأهيل للعمل في الولايات المتحدة، حيث أن 64 بالمئة من طلاب المدارس الثانوية ليسوا مستعدين للتعامل مع الرياضيات على المستوى الجامعي، كما أن أكثر من أربعين بالمئة من الطلاب المستجدين بالجامعات، يحتاجون للحصول على برنامج دراسي واحد على الأقل من أجل تحسين مستواهم في الرياضيات.
وذكر شولتز، أن"فريق كوجيون بقيادة عائلة من خبراء الرياضيات الذين يتمتعون بشهرة عالمية، سوف يعملون معنا لتطوير أفضل منتجات دراسية، بهدف تحسين طريقة تعلم الطلاب للمفاهيم المعقدة في مجال الرياضيات".
وتضم هذه العائلة المؤسسين الثلاثة الآخرين لشركة كوجيون، وهم رفائيل شقيق ماكسيم نيتشه، ووالده توماس الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة كوجيون، وأخيراً أوكسانا زوجة توماس.
ويبدو أن الزيادة المتوالية في حجم رصيد ماكسيم في البنك لا تثير إعجابه، بقدر ما تفعله الزيادة في معدلات تحميل تطبيق "ماس 42"، عبر شبكة الانترنت، ومنذ إتمام صفقة الاستحواذ، أصبحت عناوين الصحف مصدرا للدعاية المجانية الوفيرة للتطبيق.
ويقول ماكسيم: "لقد تمت ثلاثة ملايين عملية تحميل، وبشكل أساسي في ألمانيا والولايات المتحدة وروسيا والصين، إنه شعور غامر".
وتصل تكلفة تحميل التطبيق إلى اثنين يورو شهريا، ولكن ماكسيم يؤكد أنه سوف يتوافر قريبا بشكل مجاني، ويقول إن هدفه المعلن في نهاية المطاف هو مساعدة الطلبة المحبطين على الشعور بجمال الرياضيات.
ويعتبر ماكسيم أن "الرياضيات لا يتم تدريسها بشكل سليم، فهي لا تتعلق بحفظ معادلات غبية"، ويرى أن الرياضيات هي أسلوب للتفكير حيث يتم التعامل مع المسائل بشكل منظم وفي سياق تدريجي، بحيث يسأل الطالب نفسه: "لماذا أفعل هذه الخطوة؟".
ويساعد تطبيق "ماس 42" الطلاب، على القيام بذلك على وجه التحديد. ويقول اشقاء ماكسيم، إنه أيضا يوفر على الآباء تكاليف إنفاق المال على المدرسين، الخصوصيين.
وتعلم ماكسيم ورفائيل، وكلاهما رشيق البنية مثل والدهما، طريقة التفكير، المنظم منذ الطفولة المبكرة، ونظراً لأنهما ينتميان إلى عائلة من المفكرين، فقد بدآ يلعبان الشطرنج في سن الرابعة، وشارك كلاهما في العديد من بطولات الشطرنج المحلية سواء بشكل فردي أو في إطار فرق.
وفي السبعينيات من القرن الماضي، ابتكر توماس نيتشه برنامجا إلكترونيا في مجال الشطرنج ثم اخترع كمبيوتر للشطرنج ساعده عام 1984 في أن يصبح بطل العالم في شطرنج الكمبيوتر في مدينة جلاسكو.
وخلال العقد الأول من الالفية الجديدة، ابتكر توماس معادلة خوارزمية للبحث استنادا على أشكال الحروف، وقام بتطويرها بحيث صارت تشمل اللغة الصينية، في حين أن محرك جوجل للبحث على الانترنت يستند في عملياته على الكلمات، وفي عام 2006، أصبحت هذه المعادلة هي التكنولوجيا الأساسية وراء شركته الناشئة "بروكسيميك" التي أقام مقرها في منطقة خليج سان فرانسيسكو.
وفي مرحلة المراهقة، نشأ ماكسيم ورفائيل وسط عالم من الكمبيوترات المحمولة والهواتف الذكية، وتوصل ماكسيم إلى فكرة تطبيق "ماس 42" بينما كان يعطي دروسا خاصة في مجال الرياضيات، وعندما تأسس الموقع الإلكتروني "ماس 42"، انضم رفائيل إلى المشروع على الفور، بينما كان الأب متشككا في الفكرة.
وقرر الشقيقان، وكانا في مرحلة الدراسة آنذاك، إعداد خطة للمشروع، وتيقنا في تلك الأثناء من عدم وجود تطبيق إلكتروني من نفس النوع في الأسواق، وأن سوق الرياضيات يتمتع بحجم ضخم لاسيما في أسيا، ففي حين يتم على سبيل المثال إنفاق مليار دولار على الدروس الخصوصية في ألمانيا، يصل هذا الرقم إلى ثمانية مليار دولار في كوريا الجنوبية.
وأقنعت هذه المعلومات توماس وزوجته الروسية المولد والمتخصصة في مجال لغويات الحاسبات، وبدأوا جميعا في وضع تصور لتطبيق "ماس 42". وبعد ثلاث سنوات ونصف، وتحديداً في عام 2013، قامت الأسرة بتأسيس شركة كوجيون وأزاحا النقاب عن تطبيق "ماس 42".
وينطوي اسم التطبيق على إشارة إلى فيلم الخيال العلمي الكلاسيكي "ذي هيتشهايكر جايد تو ذي جالاكسي" أي "كتيب إرشادات المسافر إلى المجرة" للكاتب الانجليزي دوجلاس أدامز، حيث كان رقم 42 في الفيلم هو الإجابة على جميع الأسئلة، ويقول ماكسيم: "نريد من التطبيق الإلكتروني أن يكون هكذا أيضا".
وفي الوقت الحالي، قام ماكسيم ورفائيل بتأجيل دراساتهما في مجال الرياضيات بالجامعة التقنية في برلين، وهما يعملان حاليا كمبتكري أفكار لدى فرع شركة "كيج" في العاصمة الألمانية. ويقول ماكسيم "إنها فرصة تأتي مرة واحدة في العمر"، مضيفا أنهما من الممكن أن يستأنفا الدراسة في وقت لاحق.
أما بالنسبة للثروة التي آلت إليهم مؤخرا، يقول ماكسيم: "نحن لسنا بصدد شراء سيارات باهظة الثمن لأنفسنا"، مشيرا إلى أن العائلة تدرس في الوقت الحالي الاستثمار في الأعمال الخيرية، وأن شطرنج الشباب يحتل ترتيبا متقدما في قائمة اهتماماتهم.
التعليقات