جلس الكاتب الصحفي عبدالمنعم الجدَّاوي (1922 – 2004) إلى العديد من شخصيات بعض الروايات العربية الشهيرة، يستنطقها، ويستخلص منها الدوافع والأسباب التي أدت إلى اقتراف الجريمة.
وهو يقدم لنا الجريمة في كتابه "الجريمة في الرواية العربية" لا كعمل يجرِّمُه القانون، ويعاقب عليه، وإنما يقدِّم لنا الجريمة كنشاط إنساني يُفرزه الحقد والغضب والرغبة العارمة في الانتقام الذي يأخذ شكل العدوانية، عندما تتضخم لدى المفهوم الذي يتصور خطأً أو صوابًا أنه لا متنفس له إلا بإطلاق الشحنات التي تدوم داخله ضد مصدر الكبت والكبح والقمع الذي يسحقه تحت وطأته، ويطرد فيما يطرد العقل الواعي الذي يعتقل مثل هذه النزعات الخطرة، فلا يعود هذا العقل إلا بعد التنفيذ والسقوط في بحار الندم. وحتى عودة هذا العقل لا تكون كاملة، فكثيرًا ما يعود نصفه، ويذهب بالنصف الآخر الشعور بالذنب.
من هذا المنطلق النفسي يغوص الجداوي في وجدان شخصيات الرواية التي تعرض لها، مسجلا ما كان يجيش به صدر كاتبها لحظة الصراعات المحتدمة التي بنى عليها، وبها عمارة روايته.
وهو يتوقف كثيرًا أمام روايات نجيب محفوظ وقصصه، ففي رواية "اللص والكلاب" – على سبيل المثال - يذهب الجداوي إلى أن سعيد مهران - بطل الرواية – يحمل كل ملامح المجرم والعوامل التي تكونه، فلديه الرغبة في ارتكاب الجريمة والإقدام عليها، ولكنها تعزُّ عليه ويفشل في ارتكابها كما يريد المرة تلو المرة إلى أن يموت في آخر الرواية منبوذًا مطاردًا امتلأ رغبة في الجريمة، ولكنه فشل فيها، وهكذا كان مجرمًا بلا جريمة.
أما في "ملحمة الحرافيش"، فإن الجريمة تجري بين سطورها، كما يجري الدم في العروق، ولا تخلو حكاية من حكاياتها من الجريمة.
أما في رواية "دعاء الكراون" لطه حسين، فإن مؤلفها أراد أن يكشف عن الصراع بين القرية والمدينة، فالجريمة التي شرعت فيها "آمنة" وبدأت خطوات تنفيذها يريد أن يوحي بها وأن يدفع الناس إلى الاستحياء منها، مؤكدًا أن القسم الانتقامي كان موجهًا إلى الأم والخال، كاشفًا بذلك عن كهف من أخطر كهوف النفس البشرية في مجالات الجريمة، وفي مجال الثأر بالذات.
وعن الجريمة عند توفيق الحكيم، فإن الكاتب يرى أن الحكيم في "يوميات نائب في الأرياف" قدَّم خامة طيبة لجريمة ريفية كاملة، إلا أنه تركها تعوم طوال صفحات الرواية تظهر مرة، وتختفي مرة، إلى أن تحفظ آخر الأمر.
وفي مسرحية "يا طالع الشجرة" للحكيم أيضًا، فإن الجريمة تناسب العصر، وتتماشى الدوافع فيها على إيقاع العصر ونبض أبنائه، ذلك الإيقاع الملئ بالقلق والتردد والشكوك وعدم اليقين.
وعند الطيب صالح فإن الجريمة في "موسم الهجرة إلى الشمال" يرتكبها الجاني ضد المجني عليه حسمًا لتوترات لا مفر لها، ولا سبيل أمامها إلا القتل.
التعليقات