في واحدة من أكثر النقاشات ثراءا مع صديق العائلة وصاحب أحد أكبر محلات المجوهرات بالإسكندرية، قال لي إن الماس كحجر نقي لابد أن يكون به عيب … مهما كانت درجة نقاوة الحجر الكريم.

أطلق المهندس لطفي المنيب تلك المعلومة وهو يفحص حجرا في خاتم للبيع، ثم قال لي "لو الفص مفيهوش عيب خالص كده تعرفي انه فالصو من غير نقاش"، "الألماس لازم يكون فيه défaut صغير عيب مهما كان بسيط لأن هذه طبيعة الماس".

تعجبت بشدة من المعلومة، كيف يدفع الإنسان مئات الآلاف وأحيانا ملايين من الجنيهات ليشتري فص من الماس الحر شديد النقاوة ويجب أن يكون به بؤرة مهما صغر حجمها تدل على أنه ماس حر وليس فالصو.

مؤمنة جدا بمقولة No-one is perfect لا يوجد أحد مثالي، لكني أؤمن أن هناك من يمكن أن يجتهد ليكون أقرب ما يكون للمثالية … رغم إنه لن ينالها أبدا.

يبدو أن هناك من لا يحتمل فكرة أنك Too good to be true جيد جدًا لدرجة يصعب تصديقها، لا يحتمل أحدهم أنك عملت على قلبك وعقلك لسنوات حتى تحولت إلى الشخص الذي أصبحت عليه اليوم.

يبدو كذلك أن البعض يفضل الطرق المختصرة، عوضا عن أن يعمل على نفسه تجده يسخر كل إمكانات الكون ليقنع الآخرين أنك لست على خير.

كان من الأولى للإنسان إذا ما قدر الماس وهو يعرف أنه ليس مثالي أن يقدر الأشخاص من حوله الذين لن يستطيعوا أن يكونوا مثاليين رغم أنهم يجتهدون.

صديقي … لله في كوننا سنن نتعلم من خلالها كل شيء في دنيانا.

رغم إني شخص لا اكترث للماس ولا يغريني ارتداءه، لكني اكترث للإنسان الذي يجتهد ليكون في دنياه أغلى على قلبي من الماس.

أعرف جيدا أين أضع خطواتي، من أحب أن أصادق، وبمرور العمر وزيادة النضج أصبحت قادرة على معرفة درجة نقاوة القلوب، من أحب أن احتمي به ومن أود أن أكمل بجواره رحلتي.

لست بحاجة أن تشرح لي قلبَك وما يدور في خلدك … تصرفاتك وحديثك يفعلان ذلك نيابة عنك.

قد تكون بحاجة لجواهرجي أمين وأنت تشتري الذهب أو الماس، لكنك تحتاج إلى جواهرجي القلوب كي تفرز النفوس من حولك.

أكثر من يطالبك بالمثالية معيوب القلب!!

المرء ينتقد ما ليس فيه ومن لا يستطيع أن يكون مثله!

كلنا نسمع هنا وهناك عن أُناس يعيبون بعضهم البعض، ينتقدون ويسرفون في النقد ولا يدرون أنهم يظهرون عوار قلوبهم.

الشخص السوي المجتهد في صَقْل قلبه هو الألماس الحقيقي الذي يجب أن تقتنيه.

القلب الماسي ينبض في جوف أناس قليلون في دنياك، يمكنك أن تحبهم وتختلف معهم، يمكنك أن تترك نفسك في زمام صحبتهم فتلازمك الدَعَة والتُؤَدَة.

أناس صحبتهم حلوة وجوارهم أمن ومعرفتهم شرف وكل خطوة إلى قلوبهم يصاحبك فيها المعروف.

عندما تكتب على Google search قلب من الماس، سيظهر لك عدد لا نهائي من مواقع بيع الماس وأشكال متفاوتة ومختلفة منه، لكن عندما تبحث عن قلب من الماس في الحياة قد لا تحصل عليه بتلك البساطة، فإذا كان لديك واحدا بالفعل فلتستمسك به ما أحياك الله من العمر.

في تصنيفي المتواضع للقلوب أجد القلب الماسي هو درة القلوب، شخص تسري في عروقه دماء الإنسانية، هادئ وقوي، صارم وحنون، مُفَكِر وقليل الكلمات، عندما يتحدث يجب أن تمسك بقلم لتكتب وراءه، عزيز النفس خفيف الروح ودوما قادر على التفاوض بقوة على الحق والصواب. يضع مرساته في أفضل موقع وأقرب ما يصل بك إلى الأمن والنجاة.

قلوب دافئة تشع من وَجْدِها جمال يكاد يطفئ في عينيك كل نور من دونه.

قلوب وقورة بحق، تستدعي في حضرتها كل جميل وأصيل.

صديقي … لن تحصل على الأنس في دنيتك مهما تعددت صفاتك الطيبة لو لم يكن بصحبتك قلب وقور عمّار عَظِيم الشَّأن.

يقال أن فلان رجل عصامي أي قام ببناء عمله من الصفر حتى وصل لمجده … كذلك في القلوب يا سيدي …

من اليوم يا سيدي… تَرَفَّع؛ فالماس مهما بلغت درجة نقاوته غير منزه عن العيوب!