في الطريق إلى منطقة “دڨة” الأثرية الفريدة المجاورة لمدينة “تبرسق” بولاية “باجة” التونسية بالشمال الغربي التونسي ذو الطبيعة الساحرة تمر بمدن ومناطق عريقة فتنتابك خواطر وذكريات ذات شجون تتماس مع تواريخ بربرية ورومانية وأندلسية وعربية تتماشي تماما مع سمات المنطقة الحافلة بالمرتفعات حيث تتصور أن هذا الطريق الصاعد في أغلب الأحيان يقودك نحو السمو على كافة الصعد .. فما بالك وأنت تقصد منطقة “دڨة” الشاهقة ..
– وفيما يبدو أن إدارة مهرجان دڨة الدولي تدرك تلك المعاني جيدا فأنعكس ذلك على برنامج المهرجان عام تلو الأخر بحيث حقق مستوى عروض متميز ونوعي مع الحفاظ على الأعمال ذات الطابع الجماهيري المحترمة ..
– في الطريق إلى المسرح الروماني الفريد والبديع بدڨة تطل عليك من علي أعمدة الكابيتول والمدينة الرومانية القديمة لتضفي على المكان سحرا وغموضا مضاعفا كأنها تهيئك لحدث كبير وهذا ما كان بالفعل في ثاني أمسيات المهرجان الذي إحتفى بفلسطين وكفاح شعبها ونضالاته في شخص الفنانة الفلسطينية “رلى عازر” والفرقة الفلسطينية المصاحبة لها ..
– تردد صوت “رلى عازر” العذب الجميل بين جنبات المسرح الروماني لتوقظ في القلوب “نوستالجيا” حميمة مع “ريبريتوار” الموسيقى والأغاني الفلسطينية القديمة والحديثة المصاحبة لكلمات “إبراهيم طوقان” و “محمود درويش” و”توفيق زياد” وغيرهم من شعراء المقاومة ، ثم قدمت “رلي” بعض أغانيها لتفاجئ بأن جمهور المهرجان النوعي يحفظها رغم حداثتها نسبيا ، لتختتم الجزء الأول من الحفل بكوكتيل غنائي فلسطيني حمل كل الوجع الفلسطيني المقاوم منذ عهد الإنتداب وأغانيه (المشفرة) مثل “يا طالعين الجبل” مرورا “بمنتصب القامة” والنشيد الوطني و”الموايليا” التي تؤكد بكل إصرار على رفض حكم النذل الخسيس الذي يقتل أبنائنا وأبائنا وأمهاتنا وإخوتنا وأخواتنا من الأطفال والشيوخ والنساء في فلسطين المحتلة..
صدح صوت “رلى عازر” وفرقتها ليشعل الحماس ويلهب الوجدان في مدرجات مسرح دڨة لترتفع الأعلام الفلسطينية إلى عنان السماء من فوق الجبل الشاهق ، ويتسابق الأطفال التونسيون نحو خشبة المسرح لتحية الأشقاء القادمين من أرض المعراج معلنين تضامنهم مع القضية كما تضامن معها من قبل الأباء والأمهات والأجداد مؤكدين أن راية المقاومة ستمضي في طريقها عبر الأجيال إلى أن يتحرر الأقصى المبارك ومهد المسيح ..
– نرجعلك ديمة .. ديمة ديمة :
في لفتة كريمة ومحترمة من الفنان التونسي المتميز الصادق فيما يقدم “ياسر جرادي” ترافقه مجموعة “ديمة” الموسيقية التي أطلقت على نفسها أسم الأغنية الشهيرة “لياسر جرادي” التي تغنى بها لبلاده تونس ” نرجعلك ديمة .. ديمة ديمة ” طلب من الفنانة الفلسطينية “رولى عازر” مشاركته فيها مع مجموعته الموسيقية في إشارة للعودة إلى فلسطين من جهة ، وعودة الفنانة الفلسطينية إلى تونس دائما من جهة أخرى حيث التعاطف الشعبي الكبير من التونسيين مع فلسطين وقضيتها وكفاح شعبها .. ليتواصل العرض البديع “لجرادي” بعد أغنيته الإفتتاحية الأولى التي شاركته فيها “رلي عازر” ..
– الفنان والمثقف العضوي :
قدم “ياسر جرادي” مع مجموعته عدة أغنيات من كلماته والحانه ، وأخرى من الحانه وكلمات مختارة لشعراء أخرين ..
ثم ينتقل بنا “ياسر جرادي” الفنان والمثقف الموهوب إلى الوان من موسيقى أمريكا الشمالية وفي مقدمتها موسيقى “البوب” التي أبدعتها الطبقات العمالية الكادحة هناك وخاصة عمال الشحن والتفريغ في الموانئ الأمريكية حيث كان الرأسماليون الكبار يأكلون حقوقهم إلى أن إنتفض العمال وهددوهم بالفن من خلال الموسيقى والغناء ..
ثم واصل “جرادي” رحلته مع الجمهور نحو أمريكا اللاتينية مؤكدا على مناصرته لكفاح الشعوب ونضالات الكادحين مبتدأ رحلتنا معه إلى هناك بالأغنية الشهيرة التي تخلد ذكرى قديس الثوار والفقراء والكادحين ونبي الحرية في القرن العشرين ” إرنستو تشي جيفارا “..بموسيقاها اللاتينية الإسبانية الشجية ذات الشجن التي تقترب كثيرا من موسيقى الشرق بالمعنى الحضارى لا الجغرافي ..
ومجددا يعود “ياسر جرادي” ليؤكد دور المثقف العضوي في التفاعل الإيجابي مع القضايا الإنسانية وقضايا التحرر على كافة الصعد عالميا وإقليميا ومحليا فيذكرنا بجرحنا الغائر وألمنا السرمدي من خلال الأغنية التي ألفها ولحنها وغناها من أجل شهيدنا وأبننا وشهيد فلسطين الجريحة “محمد الدرة” لنتذكر دائما أن لدينا جميعا ثارات مع قتلة الأطفال منذ “دير ياسين” و”قبية” و”قانا” و”صابرا وشاتيلا” مرورا “بجينين” و”غزة” وليس إنتهاء بهما حيث يتواصل القتل والذبح تحت أنظار أصحاب الضمائر الميتة وفي طليعتهم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ممن يزعمون أنهم “العالم الحر”..
يختتم “ياسر جرادي” ومجموعته الموسيقية “ديمة” الحفل الرائع الأكثر صدقا وتميزا مؤكدا على محبة تونس الخضراء ومحبتها للعالم ومناصرة أهلها لقضايا الإنسانية والحرية في أسمى معانيها حيث تماهت الأرواح وتسامت مع العلو الشاهق “لدڨة” الجميلة حيث تعانق القلوب والارواح السحاب كلما إقتربنا من السماء لنسمو.
نُشر طبقا لبروتوكول التعاون الدولي مع "آسيا ان"
التعليقات