على واحدة من صفحات الفيس البوك شاهدت صور لأسرة غربية تربي أسد أليف ضخم يعيشون سويا من زمن لأن حجم الأسد يبدو مهول.
صورة يمكن الكثير منا قد شاهدها، بالنسبة لي كان لها مردود مختلف على قلبي.
ربما تضحك الآن وقد تتعجب، لكن كلنا نربي أسد ما في دنيانا، كلنا لدينا هذا الكائن بين جدراننا، كلنا نجاور أسد ما بين جنبات حياتنا، وكلنا نتصور أنه أليف مأمون الجانب لأنه حبيس أروقة أعمارنا.
أتدري يا صديقي ما هو الأسد الأليف الذي يسكن بيتك … إنه روحك!
في صبايا كنت أتصور أن لكل شيء في دنيانا مردود مكافئ تماما لفعلك كما في نظريات الفيزياء. مع تقدمي في العمر وبزحف خبرة السنون والنضج والشيب الذي بدأ يشتعل في رأسي أدركت أن ليس لكل فعل رد فعل وليس بالضرورة أن يكون مساو له في المقدار ولا مضاد له في الإتجاه.
نحن نروض أسد ما يعيش في عقولنا، أسد نتصور أننا قادرون على التحكم في انفعالاته وترويض غريزته والتحكم في ردود أفعاله تجاه أعمارنا.
لا تصدق ذلك، نحن غير قادرين على فعل ذلك البتة، سيبقى الأسد قادر في أي وقت أن يأكلك حي.
تلك الروح الفتية التي تسبح في جسدك لا يجب أن تتركها فريسة الجوع. الأسد لا يفترس إلا إذا جاع، والجوع هو الفراغ الذي تعيشه وأنت تهرب من دنيتك لا تعيشها وتترك أيامها الحلوة تمر أمام ناظريك.
دورك يا صديقي أن تتعلم ألا تترك أسدك يجوع.
لا تترك أيامك بين أنياب مفترس يهلك عمرك ويفترس الخير فيه.
أنت مطالب بحماية نفسك، أن تكون مروض ماهر وألا تترك كفالة إطعام روحك بين يدي أحد.
استعد بموجبات دسمة من الإشباع، تبرع ببؤسك لشخص لا يحبك وتنازل عن رغبتك في جعل الحياة تسير وفقا لرؤيتك، صدقني رؤية الله هي الاصلح والانفع لك.
إذا تعودت أن تسقط اختيارك وتقبل ما ما اختاره الله لك ستصاحبك سعادة لم تعرفها يوما.
تسلح بحياة مليئة بالعمل والعطاء في كل سنوات عمرك. أنت قادر على العطاء في كل وقت وكل عمر ولا تتصور أنك إذا بلغت الستين أو السبعين أنك قد أديت رسالتك.
رسالتك قائمة وأنت محاسب بها، مهما كان عمرك هناك عطاء ما لابد أنه يناسبك.
أنت مكلف ببوابات تفتحها للأحباب، تجمل بالكلمات الرائعة التي يتفوه بها قلبك، تلك الأيادي الحنونة التي تربت بها على كتف المتعبين، تلك الوقفات والسندات والنصائح الثمينة التي تجعل من شيبتك محل ثقة وتقدير وإعجاب من الجميع، وتلك المحطات التي تنزل فيها عن قطارك لتلتقط أحد ما غلبه العجز والحيرة وهزمته الحياة، تلك هي التراكمات التي تجعلك تترك الحياة وأنت مطمئن.
أما وإن كنت لازلت هذا الشاب الجميل سيأخذك أسدك إلى مفترق طرق إما أن تطعمه، وإما أن يأكلك.
كلنا بلا استثناء معرضين لخديعة الأسد الذي يسكننا، نتصور أنه أصبح جزء من روحنا وأنه صار أليف مأمون الجانب، إلى أن يأتي عليك يوم ما يهدم هذه القاعدة التي ظللت تتصورها الحقيقة.
أنت وحدك القادر على التكفل بروحك، انشغل بعملك بأسرتك بهواياتك، حافظ على جسدك فهو رفيق السنون.
نحن مطالبين بحسن التجاور في الدنيا بين بعضنا البعض، فكيف يكون لديك الحق أن تترك نفسك جائعة إلى أن تنهشك.
الإنسان الناجح هو من استطاع أن يقتحم نفسه وصبر لسنوات على تغييرها وترويضها ليكتسب الصلابة اللازمة والقوة المرجوة التي تمكنه من الاستمتاع بالحياة.
كلنا على ذلك قادرون لو استنفرنا قوتنا وكنا خير معين لأرواحنا.
استمتع بأيامك كلها مهما زحفت المتاعب وانهكتك الساعات، لا شيء يدوم يا صديقي.
كل الأيام المظلمة تنتهي، كل الأحلام التي لم تتحقق سيأتي أجمل منها تنسيك السنوات التي جعلتك على منصة الانتظار، وكل الإبتلاءات التي أطلت على عمرك بالكثير من الحسرة والألم ستزول وينسيك الله إياها بأيام رطب هوائها مثل نسمات الربيع العليل.
نحن نتعجل الحلول ونقف عند معضلاتنا لنسجل أمام أرواحنا كم نحن تعساء … وهذا هو أسدك الذي سيأكلك.
روض هذا الشعور بالمزيد من القوة والبأس والشجاعة، استجلب لنفسك السعادة فإن لم تأتيك على عجل ستأتيك على مهل، لكنها حتما ستأتي وتنسيك ألمك كأنك لم تحزن يوما.
حبر تلك الكلمات ممزوج بسنوات العمر التي خالطها الحزن والرجاء، إنها كلمات كتبها قصة حياة أسد ظننت في يوم ما أنه أليف واحتجت عمرا بأكمله لأروضه.
اصدقك القول ربما تكون تلك الكلمات من أصدق ما كتبت لا أبغي بها سوى معاونتك على تحويل المشهد لصالحك.
كلنا مراحل في حياة بعضنا البعض، وهناك يوم قريب أو بعيد سنكون ذكرى، فالأولى لك أن تجعلها ذكرى تستحق، ولأن تترك خلفك ميراث من القوة فهو شهادة استحقاقك للحياة.
التعليقات