كأني مخيم
ضجيجٌ كثيرٌ من الانتماءات يبكي
صراخٌ ثقيلٌ يعلقني في المنافي
دعاءٌ مدمّى يجر خيولي المصابة فوق جروحي
خلاياي تسكن فيها الأهالي وهم ينسلون من الوجع السرمدي
وتسكن فيها الخيام الجريحة
وأغبرة كالجنون تفتُّ عيوني
وأطفالُ يبكون مثلي
كأن الدموع دمائي، كأن الدماء دموع
وأني المخيم
في داخلي يجلس النازحون على حجرٍ من بيوتٍ تموت
يقصّون كيف تهاوت عليهم
وكيف أعادوا صياغة أنفاسهم من جديد
أحاول أن أتنفس كي يرجعون إلى وعيهم
تمر القذائفُ في داخلي، وتجري وراء طموحي قطيعَ ذئاب يعوّي على ما تبقى من الأمنيات.
.
كأني المخيم؛
ينسى الدقيق ملاحقتي في الصباح
وتنسى السماءُ دعائي
وينسى الهواءُ ندائي
كأني المخيمُ
كل النساءِ تجر الهموم بداخل روحي
وترمي جروحي إلى فكرةِ الانتماء
كأني وباء
تسير جهاتي إلى جبهتي كالرصاص
فتهرب مني لغاتي، وأنسى الخلاص
.
كأني المخيم
تخون الدروب خطاي، فأرجو مداي بأن يحتويني، فأدفن في الوجع السرمدي
وحيداً شريداً مذاباً كشمع
صريعاً كدمع
كأني المخيم
لا زرعَ في الروح
لا شمسَ تروي رؤاي
ولا نهرَ يعبرني يا صديقي
أجنُّ لأني سماءٌ بليدة
صفيحٌ قديمٌ يقلد مشي السحاب
أنا قد خلقت من الحزن يا صاحبي
تمر الخيام حماماً على مهجتي
ولا قمح في الروح كي أُطعِم الناس
تعبنا جميعاً أمام القذائف وهي تذيب كياني
تعبنا جميعاً
فجسمي ضئيلٌ على كل هذا المصاب
وقلبي مصاب بكل جروح الضحايا
فكيف سأحمل هذا المخيم وحدي؟.
.
يا ربُ كيف تقيم الضحايا مساكنها في ضلوعي
وتحفر في الذات أضرحةً لا تنام
ويا ربُ كيف أعيد المقابر للأمنيات
ويا ربُ كيف أمد الحياة لهذي الحياة
ويا ربُ كيف جعلت كياني خياماً
كيف جعلت شرايين جسمي نحيباً طويلاً إلى اللاوصول
أرحني قليلاً إلهي
أعرني ملائكةً يحرسون خيامي
ويلقون ضوءًا أمام الكلام الكليم
يعيدون شمساً لنافذتي كي أراهم حقولاً
أعرني ملائكةً تحصد الأغنيات من العاشقين لأنجو
أعرني سماءً لأعلو
فتعلو الخيام
ويعلو الكلام
ويعلو الحمام
يئسنا من الأرض يا ربنا
أعدنا إليكَ لتبني لنا وطناً من ضياء
أعدنا وعدنا بأن تجلد الهمَّ وحدك
أعدنا وعدنا بأن ترجم الحزن وحدك
أعدنا وعدنا بأن تحرق الظلم وحدك.
كأني المخيم
خلاياي تتعِبها الذكريات
كأني الموات
كأني بهذا الجحيم حياة
كأني المخيم … وبعض الخيام صلاة.
نُشر طبقاً لبروتوكول النشر المشترك مع مجلة "آسيا إن"
التعليقات