تقع دولة الصومال في شرق قارة إفريقية في منطقة القرن الإفريقي، يحدها خليج عدن والمحيط الهندي من الشرق، إثيوبيا من الغرب وجيبوتي من الشمال الغربى كانت الصومال قديما أحد أهم مراكز التجارة العالمية بين دول العالم القديم، حيث كان البحارة والتجار الصوماليون الموردين الأساسيين لكل من اللبان "المستكة"، نبات المر والتوابل التي كانت تعتبر من أهم المنتجات بالنسبة للمصريين القدماء والفينقيين والبابليين، الذين ارتبطت بهم جميعا القوافل التجارية الصومالية وأقام الصوماليون معهم العلاقات التجارية .
تشير صفحات التاريخ إلى أن العلاقات بين قدماء المصريين ومنطقة بلاد بونت "الصومال حاليا" تعود إلى زمن بعيد، لعل أبرز أمثلتها عندما قامت الملكة حتشبسوت، خامسة حكام الأسرة الفرعونية الثامنة عشرة، بارسال بعثة تجارية على متن سفن كبيرة تقوم بالملاحة في البحر الأحمر محملة بالهدايا والبضائع المصرية مثل البردى والكتان إلى بلاد بونت، فاستقبل ملك بونت البعثة استقبالا جيدا.
ثم عادت محملة بكميات كبيرة من الحيوانات النادرة، الأخشاب، البخور، الأبنوس، العاج، الجلود والأحجار الكريمة، وصورت الملكة حتشبسوت أخبار تلك البعثة على جدران معبد الدير البحرى على الضفة الغربية من النيل عند الأقصر، ولاتزال الألوان التى تزين رسومات هذا المعبد زاهية ومحتفظة برونقها وجمالها إلى حد كبير.
في العصور الحديثة، ازدادت العلاقة الثنائية الأخوية بين مصر والصومال رسوخا وتوطدت أكثر حين وقف المصريون بقيادة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر إلى جانب الصوماليين في حربهم ضد الاستعمار والجهل.
وقد أعلن الرئيس جمال عبد الناصر مساندته للقوى الوطنية في الصومال من أجل الاحتفاظ بمقومات الشخصية الصومالية بجذورها العربية الإسلامية ووحدة أراضيها.
وبحلول عام 1955، عندما أراد عبد الرشيد شارماركى" الزعيم الصومالي الذى أصبح رئيساً للوزراء ثم رئيساً للدولة بعد ذلك" أن ينشىء جيشاً ليصد به التحرشات المعادية لبلاده، قام بجولة في أوروبا فلم تستجب أية دولة لمساندته، فجاء إلى مصر لمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر.
وقال عن هذه الزيارة: "كانت مقابلتى للزعيم جمال عبد الناصر نقطة تحول في تاريخنا، فقد قرر عبد الناصر أن يمدنا بالسلاح، بل قال إننا سوف نتقاسم كل مانملك... وقد أوفى بوعده وكان عند كلمته، وقامت علاقة وطيدة بين الجيش المصري والجيش الصومالي منذ ذلك الحين.
وسارع عبد الناصر بتلبية جميع المطالب التي طلبناها منه، وكان مهتما بشدة بإعداد جيل من الشباب المثقف الواعي وتأهيله للاضطلاع بشئون البلاد، وكان كل اهتمامه أن يرى الصومال مستقرا ومزدهرا وفي مكانة مرموقة في هذا الركن المهم من قارة أفريقيا، وأن يصبح أحد مراكز الإشعاع والثقافة العربية الإسلامية بين شعوب تلك المنطقة" وهكذا ... كانت مصر شريكا مؤثرا في كل مراحل معركة استقلال الصومال وبناء دولته الحديثة حيث امتزجت دماء.
ثم كانت مصر في مقدمة الدول التي اعترفت باستقلال الصومال عام 1960، وقدمت كل الدعم والعون للشعب الصومالي الشقيق عقب الاستقلال .
وفي أكتوبر 1961، قام الرئيس الصومالي آدم عبد الله عثمان بزيارة لمصر واستقبله الرئيس عبد الناصر بحفاوة تاريخية وتم استضافته في القصر الرئاسي، وبحث الرئيسان أوضاع الصومال وقضايا أفريقية عديدة، وكان لهذه الزيارة نتائج كبيرة في مسيرة العلاقات المصرية الصومالية.
عندما قامت ثورة الصومال بقيادة الرئيس سياد بري، أعلن قائدها: " أن ثورة الصومال هي ابنة شرعية ووفية لثورة 23 يوليو ولفكر الزعيم جمال عبد الناصر الثوري"، الأمر الذي يعكس مدى تأثير الدور المصري في الفكر الصومالي وقادته .
كما وقف المصريون إلى جانب الصومال في نضاله ضد الاستعمار البريطاني والإيطالي، وكانوا أيضا سباقين في دعمه خلال الفترة التي أعقبت الاستقلال في مختلف المجالات وخصوصا في مجال التعليم، حيث تواجدت المدارس المصرية والأساتذة المصريون في العاصمة الصومالية مقديشيو.
ولعبت البعثات الأزهرية والمعلمون التابعون للأزهر الشريف دورا كبيرا في نشر العلم وتعاليم الإسلام الصحيح في ربوع الصومال وهذا هو سر الاحترام والود الذي يكنه علماء الصومال للأزهر الشريف، كما لعبت البعثات المصرية دورا رائدا في بناء الكوادر التعليمية وتعريب التعليم في الصومال .
وتأكيدا للعلاقة الأخوية بين البلدين، قام الرئيس الصومالي الأسبق محمد سياد بري عام 1971 بزيارة تاريخية إلى مصر، استقبله الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وفتحت آفاقا واسعة للتعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، حيث جرى في السنوات التالية توقيع اتفاقيات مهمة شملت جميع المجالات وبالتحديد فى مجالي الاقتصاد والتعليم.
ومن أهم هذه الإتفاقيات، اتفاق نقل جوي عام 1974 واتفاق تجاري عام 1978 واتفاق التعاون بين المعهد الدبلوماسي المصري ومعهد الدبلوماسية في الصومال عام 1989، وكذلك نتيجة الجهد الذي بذلته مصر، تم قبول الصومال عضوا في جامعة الدول العربية عام 1974.
بذلت مصر جهدا كبيرا لمنع وقوع الحرب الأهلية، وشهدت القاهرة والسفارة المصرية في مقديشو، لقاءات واجتماعات بين المسؤولين في نظام "محمد سياد بري" والجبهات المعارضة، للحيلولة دون نشوب صراع مسلح.
وانهاء الصراع السياسي بين الحكومة والمعارضة بالطرق السلمية، وقد تمثل ذلك في المبادرة المصرية الإيطالية عام 1989، لكن نتيجة لتدخلات قوية من قبل بعض دول الجوار، لم تكلل تلك الجهود بالنجاح ودخل الصومال في حرب أهلية راح ضحيتها الآف المواطنين الأبرياء.
بعد اندلاع الحرب في الصومال 1991، لم تتوقف جهود مصر لوقف نزيف الدم وحماية وحدة التراب الصومالي، بل كانت حاضرة بقوة في جميع الجهود الدولية للم شمل الصوماليين، ورفضت تقسيم الصومال أو الاعتراف بانفصال اقليم الشمال "صومالاند".
كما نظمت مصر عددا من مؤتمرات المصالحة لإنهاء الاقتتال الداخلي في مقديشو وإحلال السلام في ربوع الصومال شارك فيها معظم الفصائل المتناحرة، وتم التوصل فيه الي قررات كانت في غاية الأهمية لإنهاء الحرب الدائرة آنذاك في مقديشو، أطلق عليها «اعلان القاهرة»، كما شاركت مصر في منتدى الشراكة رفيع المستوى بشأن الصومال في نوفمبر 2014.. وتلاه نشاط الجامعة العربية بمشاركة مصر لدعم جهود الاستقرار السياسي في الصومال..
كما شاركت مصر في كل الأطر الدولية الخاصة بالوضع في الصومال مثل مؤتمر الخرطوم عام 2006 ومؤتمر جيبوتي عام 2008 والذي تمخض في النهاية عن اختيار الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد رئيسا للصومال.
كما ساهمت مصر بدور فعال في عملية "إعادة الأمل" عام 1992 لدعم الصومال، وقررت إرسال أكثر من 700 جندي إلى مقديشو ضمن القوات الدولية لإنقاذ المنكوبين جراء المجاعة عام 1992، وبحكم علاقات مصر القديمة مع الصومال ومكانتها لدى الصوماليين تمركزت هذه القوات في المواقع الحساسة بالعاصمة مقديشو واسندت إليها مهمة تأمين وحماية المطار والميناء وبعض أهم التقاطعات في المدينة.
كما قامت هذه القوات بدور محوري في عمليات الإغاثة وتوزيع المعونات على القرى والتجمعات القريبة من مناطق تمركزها وإقامة مستشفيات ميدانية لعلاج المرضى الذين بلغ عددهم آنذاك ما بين 300- 400 حالة يوميا.
لم تقتصر الجهود المصرية التي كانت ضمن القوات الدولية " يونيصوم" على مجال الإغاثة وانما شاركت أيضا في إعادة بناء القوات الصومالية، حيث دربت القوة المصرية حوالي 20٪ من قوات الشرطة الصومالية التي كان يجري إعدادها آنذاك وزودتها بما كانت تحتاجه من أسلحة وعتاد وأجهزة اتصالات قبل ان تنسحب القوة المصرية مع باقي القوات الدولي في فترة الحرب الأهلية وصل إلى الأراضي المصرية آلاف الصوماليين الذين نزحوا من ويلات الحرب، فاستقبلتهم مصر ومدت لهم يد العون وتم منحهم تعليما مجانيا وتمت معاملتهم كمعاملة المصريين في المدارس والجامعات ،وهذه المعاملة الأخوية أثمرت عن تخرج الآلاف من الشباب الصوماليين من الجامعات المصرية تقلد بعض منهم مناصب في الحكومة المركزية والحكومات الاقليمية في الصومال، والبعض الآخر يحاضرون في الجامعات الصومالية وبعض الجامعات في دول الجوار.
تعد مصر عضوا فاعلا فى مجموعة الاقتصاد الدولية التى تعنى بالمشكلة الصومالية وتحرص على المشاركة فى كافة الاجتماعات التى تعقدها المجموعة، وقد كثفت مصر تحركاتها الدولية خلال السنوات الأخيرة لحشد الدعم للقضية الصومالية وحث القوى الدولية للمساهمة في إعادة بناء المؤسسات الوطنية الصومالية .
أكد الرئيس السيسي اعتزاز مصر بعلاقاتها التاريخية مع الصومال، وحرصها على مصالح الشعب الصومالي الشقيق في إطار دولة موحدة مستقرة وقوية، فضلا عن دعم الصومال للتعامل مع مختلف التحديات التي يواجهها، خاصة خطر التطرف والإرهاب.
واستعداد مصر لمواصلة تقديم الدعم للصومال لبناء وترسيخ مؤسسات الدولة، وتفعيل مختلف أوجه التعاون الثنائي مع الصومال، لاسيما على الأصعدة الاقتصادية والتجارية وتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية لمواجهة أزمات الجفاف وتدريب الكوادر الفنية الصومالية.
التعليقات