أحرص أسبوعيا على متابعة المظاهرات والمسيرات الحاشدة التى تجوب العواصم الغربية واللاتينية والآسيوية منذ بداية العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة المحتل والضفة الغربية؛ كما أحرص على متابعة دعوات الحشد والتنظيم والشعارات والمواقف والكلمات والقصائد والأغانى والموسيقى التى تتردد قدر الأمكان وبقدر توافرها على السوشيال ميديا…
لقد درست فى بريطانيا وعشت هناك ما يقرب من عام ونصف؛ وزرت عددا كبيرا من العواصم الأوروبية والأمريكية لفترات طويلة وأدرك صعوبة وقيمة ما يحدث من إنجاز غير مسبوق رغم ما يعتصرنا جميعا من ألم على الشهداء والضحايا الذين يرتقون بسبب العلميات العسكرية الإسرائيلية البربرية…
لأول مرة فى تاريخنا المعاصر ينكشف الوجه الحقيقى للكيان الصهيونى أمام الرأى العام العالمى على اتساعه وبكافة ثقافاته ومعتقداته؛ وأصبحت الرواية والسردية الإسرائيلية عن كونها واحة الديموقراطية فى منطقة تسودها السلطوية والديكتاتورية وكونها دولة محاطة بالعداء من جيرانها بسبب تمسكها بحقها “التاريخى” فى الوجود وفى أرض الميعاد محل شك وإستهزاء؛ ويزداد الاهتمام بتفاصيل القضية الفلسطينية وتاريخها وسيرتها ومسيرتها والحقوق والقرارات الأممية المتعلقة ويلقى الضوء على الممارسات الإسرائيلية التى تجسد إرهاب الدولة وإرتكابها كافة جرائم الإبادة والتمييز العنصرى؛ يزداد الوعى بالخريطة والأرض والحدود وأسماء المدن ورمزيتها؛ العلم والكوفية والغطرة الفلسطينية أصبحت الأكثر إقتناءا فى العالم؛ وتولدت وأخترعت طرق ووسائل بديلة للتغلب على حصار السوشيال ميديا والخداع والسيطرة الصهيوينة على وسائل الإعلام التقليدية والجديدة وتحكمها فى الرواية والسرد عن الأحداث وخلفياتها وتفسيراتها وتكويدها بالطريقة التى تخدم السياسات والمصالح الإسرائيلية…
هذا الإنجاز المتحقق فى كسب هذا التأييد العالمى يجب المحافظة عليه مساندا لكل الحقوق العربية العادلة رغم تحفظ البعض منا على افكار وممارسات عدد من الجماعات التى تدعو لتلك المسيرات والمظاهرات بسبب الخوف من فكرة الحشد وإعتياد دعوات التظاهر والإعتراض حتى ولو كان سلميا ويرى أنها عدوى يمكن أن تنتقل للملفات الداخلية للدول؛ وذلك رغم أن كل المسيرات والمظاهرات العالمية لم تشهد أى نوع من العنف أو المواجهة مع السلطات فى بلدانها رغم ضخامتها لقدرة تلك السلطات على إستيعاب واحتواء وتفهم الهدف من تلك الأفعال وتجنب الصدام الذى يؤدى إلى إشتعال المواقف وإسالة الدماء مع حرص من المنظمين والمتظاهرين على الإلتزام بقواعد التظاهر السلمى المعلنة والمقننة…
لقد سادت مفاهيم خاطئة لدى الرأى العام العربي عن طبيعة وتكوين الرأى العام الدولى والغربى وكان هناك من يعمل على تعميق الفجوة الإنسانية بين الرأيين مستغلا مواقف وقرارات وتشريعات وممارسات الحكومات الغربية وكذلك الصور النمطية التى كان يتم ترويجها عن العرب وقضاياهم وحقوقهم وثقافاتهم ومعتقداتهم وطبيعة النظم التى تحكمهم؛ وكانت إسرائيل من أكبر المستفيدين من وجود تلك الفجوة التى بدا فى الآفق إمكانية تجسيرها أبان الغزو الأمريكى للعراق والمظاهرات الحاشدة المناهضة للحرب ومبرراتها؛ ولكن كعادة العرب ضاعت علينا فرصة البناء على هذا التضامن الدولى الذى رغم حجمه الكبير حينذاك لا يمكن أن يقارن بضخامة وحجم التضامن والتفهم والفعل والتحرك الحالى…
فهل هناك مؤسسات وجماعات عربية رسمية أو أهلية تعمل على ضمان فعالية التواصل والتنسيق والبناء على ما تحقق؛ وأن تكون الرواية والسرد العربي لكل الحقوق العادلة عابرا للحدود والحواجز التاريخية سياسيا وثقافيا وعقائديا؛ وأن يكون هناك هوامش مشتركة فى القضايا التى لا تمس ثوبت دياناتنا ومعتقداتنا وثقافتنا؛ فأين كان الرأى العام العربي من قضايا البيئة والعنصرية وممارسات الرأسمالية العالمية ومؤسساتها؛ من الحروب والتدخل فى شئون الدول وتغيير الأنظمة بالقوة والإنتقاص من سيادة الدول والشعوب ونهب ثرواتها؟؟؟…
قنوات وآليات التواصل مع الحشود العالمية آفق علينا أن ندرسه ونمارسه ونلتحق به فى القضايا الإنسانية المشتركة التى تصلح للتضامن فى حالات الحروب والصراعات والأوبئة والتمييز العنصرى والإبادة الجماعية والقضايا البيئية ومكافحة الإرهاب وتوصيل المساعدات الإنسانية والإغاثة وإصلاح المؤسسات الأممية وتفعيل واحترام القوانين الدولية والإنسانية وقواعد الإشتباك والقتال ومحاكمة المتهمين فى جرائم الحرب والإبادة…
ويبقى أن أقول أن ما علينا أكثر من المطلوب من غيرنا فكما لدى البعض منا تحفظات على التواصل مع تلك الحركات والرأى العام الدولى ومحاذير الاقتراب من الملفات التى تمس معتقداتنا وثقافاتنا يجب أن ندرك أيضا التحفظات والمحاذير التى يخشاها هؤلاء من التضامن معنا فى عدد غير قليل من قضايانا وأهتماماتنا وتحدياتنا؛ وهى عديدة والخوض فيها هنا قد يعرضنا للمسألة القانونية بمفهوم وقوانين بلداننا لانه حديث يقترب من المحظورات والمحاذير العديدة التى تؤسس لبيئة معادية وأسوار عازلة ومناهضة لاى نوع من التواصل حتى بين أبناء الوطن الواحد…
نُشر طبقاً لبروتوكول النشر المشترك مع مجلة "آسيا إن"
التعليقات