كانت القراءة – ولا تزال – هي المتعة الكبرى في حياتي. وبدأت منذ الصغر وقبل أن أكتب، وربما تكون كتاباتي أتت نتيجة قراءاتي المتعددة في مختلف الاتجاهات.
وعندما بدأت أكتب الشعر، نصحني أستاذ اللغة العربية في المرحلة الثانوية أن أتوجه إلى قصر ثقافة الحرية لأتعلم وأستفيد من وجود نادي الشعر هناك. فتعلمت موسيىقى الشعر (أوزانه وقوافيه) على يد الشاعر الراحل محجوب موسى. ولكن لم أكتف بذلك، وحيث إنني كنت من رواد مكتبة البلدية (مكتبة محافظة الإسكندرية) منذ الصغر لقربها من بيتي في حي محرم بك، فقد كنت أتردد عليها يوميا، وخاصة أثناء العطلة الصيفية. كنت في البداية أشعر برهبة كبيرة عندما أمر أمام مبناها العريق الكائن في شارع منشا بالقرب من الكوبري "أبوعين واحدة" الذي يؤدي إلى استاد الإسكندرية الرياضي.
وعندما اقتحمت المكتبة زالت الرهبة وبدأت اقرأ بداخلها (استعارة داخلية) وأحمل معي كتبا أخرى إلى منزلي (استعارة خارجية).
ولما أدركت الصلة القوية والعلاقة المتينة بين الشعر والموسيقى، وأن الشعر يقع في منطقة وسطى بين الموسيقى والرسم أو التشكيل، بدأت اقرأ كتبا عن الموسيقى، وأستمع إليها بشغف كبير خاصة من خلال البرنامج الثاني (البرنامج الثقافي حاليا) بالإذاعة المصرية، وأتأمل كثيرا في اللوحات التشكيلية واقرأ كتبا وموسوعات عن الفن مثل موسوعة "العين تسمع والإذن ترى" للدكتور ثروت عكاشة، وهو ما أدى في النهاية إلى صدور روايتين عن الفنان التشكيلي الشهير محمود سعيد هما: اللون العاشق، والليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد.
أثناء تصفحي لفهارس مكتبة البلدية، وجدت كتابا لأنشتاين عن الموسيقى، فتعجبت أن هذا العالم الفيزيائي الكبير والشهير صاحب النظرية النسبية يكتب عن الموسيقى، ولكن عندما تذكرت أن علماءنا العرب والمسلمين الموسوعيين أمثال: ابن سينا والفارابي والبيروني وابن رشد وغيرهم، كانوا يدرسون الطب والفلك والموسيقى والرياضيات والهندسة والبصريات والفلسفة وغيرها من العلوم والفنون، أدركت أن هذا الأمر ليس غريبا على صاحب "النسبية"، فأحببت أن أستعير كتابه الذي جذبني عنوانه عن "الموسيقى في العصر الرومانتيكي" لأقرأه في المنزل، ولكن فوجئت بأنه من الكتب التي لا تُعار خارج المكتبة، فخصصتُ وقتًا يوميًّا لقراءته داخل المكتبة، وكنت وقتها – في عام 1976 – طالبًا في كلية التجارة. وكنا نحرر في هذا الوقت استمارة استعارة من جزئين، جزء يأخذه موظف المكتبة فيه بيانات الكتاب ورقم تصنيفه حتى يطلبه من الموظف المختص، والجزء الآخر للمستعير.
كان الكتاب يهبط إلينا في مصعد صغير (أسانسير) من الأدوار العليا بالمكتبة، وكانت قاعات القراءة في الدور الأرضي. وكانت فرحتنا كبيرة عندما ينزل الأسانسير محملا بالكتب المطلوبة ومعظمها كان مجلدًا باللون الأسود، أو البني.
لا أتذكر الآن تفاصيل الكتاب، فقد قرأته منذ حوالي 45 عاما، ولكن سعدت كثيرا عندما عثرت وسط أوراقي القديمة على طلب استعارة الكتاب من المكتبة، موضحًا عليه اسم الكتاب واسم مؤلفه واسم المستعير وعنوانه وتاريخ الاستعارة، وغير ذلك من بيانات.
وأنا في شوق لإعادة قراءة هذا الكتاب مرة أخرى خاصة أنه بقلم صاحب نظرية النسبية، العالم الفيزيائي الشهير ألبرت أنشتاين.
التعليقات