بدأت العام الجديد بداية مختلفة غير متوقعة أو مرتبة على مقاس قلبي.
في كثير من الأحيان نحتاج درس خصوصي لمعاودة الإحساس بالنِعَم.
كيف تعرف القلوب المسكونة؟ هي قلوب يُضاء فيها النور، تكتظ فيها مُقَامات المحبة، وأركانها ممتلئة بالذكريات.
القلوب الخاوية عن أصحابها شديدة البؤس والشقاء.
الحياة حركة مستمرة منتظمة، لا أحد يقيم دنياه وهو مثل المعدن الخامل لا يدخل في تفاعل ولا ينتج عنه مركبات اخرى.
أتعرف يا صديقي أن الفلزات النبيلة هي المعادن المقاومة للتآكل والأكسدة في ظروف الهواء الرطب على عكس معظم المعادن الأساسية. وهي تميل لأن تكون مرتفعة السعر، بسبب ندرتها في القشرة الأرضية.
كلما زادت نُدرتك ازدادت حاجة الناس إليك. بيدك أنت أن تشعر بقيمتك في عيونك وعيون الآخرين بجميل ما تصنعه يداك كل يوم من ذكرياتك.
وتلك الكلمات هي ما تُبقي وتقيم بداخلنا الحياة.
إنها لمنتهى العافية أن ينشغل المرء بمن يحب، أن يديم الله حَولَه أسباب بقائه في الدنيا وأن يذكره من وقت لآخر بقيمته في حياة كل من أحبوه.
كل عام يتجدد عندي وعكة صحية تبطئ حركة القطار حتى يكاد يتوقف تمامًا.
نعم تتوقف الحركة يقل العطاء وتخبو الكلمات، تنغلق الثغور وتضعف الدعامات، ينزوي الشعور ويُنفَخ في شرر الألم. يظن المرء أن السماء سقطت على قلبه فأَعْتَمَته.
ليس كل ما نحرم منه إبتلاء، فالكثير من المنع هو لنا جلّ العطاء.
كل عام يختصني الله بجمال قدره، يعرفني جيدًا أحبابي، يؤكد حضورهم في قلبي، يجعلني أرى من يتسابق ليكن بجانبي، من يدعو لي، من يتلمس طريق شفائي ومن يفسح من وقته ويفترش بالأنس محنتي.
أصبحت أعرف القلوب الوضاءة، فسلوكهم لا يتغير أبدًا.
تلك المحنة هي حظي الوافر في الدنيا فلم أتساءل يومًا من يحبني؛ أنا أعرفهم جيدًا.
إن من سوء حظك أن تكون نِعَمَك مغلفة بالصعوبات فتحجُبك نفسك أن ترى ما وراء تلك النعم من مسرات.
العين ترى والقلب يشعر، أما النفس هي من تتدبر القوة والعزيمة الكافية للقبض على مواطن إنبات الحياة.
بكل هذا الجمال أبدأ عامي الجديد، مغلفة بقوة متينة تعينني أن أدرك أن الصباح أشرق وآن أوان نافلة الأمل أن تنفتح.
من أجمل ما يفعل بنا العطاء أنه يظل القيمة المضافة التي تُبقي القلب مكتنز بالمحبة.
ويبقى الود مجرد كلمة حتى يأتي من أحبك ويعرفك معناها. هؤلاء من احبونا وكانوا دومًا ينظرون معنا صوب نفس الإتجاه.
أما أنت يا صديقي، فإذا كنت من الشجاعة الكافية بحيث تترك خلفك كل ما هو مألوف ومريح، وتنطلق في دنيتك مطمئنًا، مستعدًا لاعتبار كل ما يحدث لك في تلك الرحلة كدليل على قوتك، وأن تقبل كل شخص تقابله كمعلم، وأن تستقبل كل المحن كهدايا يفك شريطها ببطء، فهنيئا لك فيزياء السعي الجميل.
وفي طريقك لتجد نفسك ستجد أُناس آخرين...
لا أحد يمتلك حياة وردية ولا قلبًا خاليًا من الالم ولا رأسًا خفيفًا من الأعباء ولكن هناك من يدعو الله ويبتسم وهو مطمئن ...
إن أردت أن تحافظ على ثبات قلبك على الأرض، فتقبل بعض الثقل فوق كتفتيك، ليكسبك قوة التحمل وجودة التعامل مع الأزمات.
إنّ التوكل الحق على الله لا يعني سوى أن تنقل العبء الذي تحمله وحدك إلى الله العالِم بكل شيء، حتى يمدّك بالقوة للقتال في يوم آخر، لعام آخر ولبقية ما تحتاج من أعوام.
وهذا هو المدد في المحن، هي العجلة الوحيدة التي تستمر في الدوران لتذهب بك إلى حيث تطمئن.
سيضع الله دائمًا الذين تستحقهم لمساعدتك طيلة الطريق، كل ما عليك أن تثق أنك في كل مرة ستنجو.
لا تقطع على نفسك نذورًا للوفاء، فالإخلاص لا يعني إلا أن تفعل ما تعتقد وليس ما تكتبه على نفسك.
عندما تيبس الحقول، يظهر الطريق ويأتي المدد ومعه الصديق.
إن الحياة تبدو لي أقصر من أن تُنفق في تنمية البغضاء، وتسجيل الأخطاء، بل هي المرتع الآمن لنماء الطيبة والأصل والجمال، المخزن الباق لحفظ الذكريات حيث لا يبقى منك غير هذا الإنسان الذي كنت دومًا عليه.
التعليقات