(الغاية لا تبرر الوسيلة)، و(ما بنى على باطل فهو باطل)، كم مرة رددنا هذه الكلمات التى لا يتطرق الشك أبدا إليها، إلا أن فى الحياة العديد من الوقائع تكذبها، الغاية بررت عددًا من الوسائل غير الشرعية، لديكم مثلًا إسماعيل ياسين بدأ مشواره فى الثلاثينيات بالقاهرة، بعد أن سرق ستة جنيهات، عندما تلصص على جدته واكتشف أنها تخبئها فى (اللحاف) الذى تنام عليه، صارت بالنسبة لها (تحويشة العمر)، فأصبحت بالنسبة له بداية لتحقيق (حلم العمر).
الذى يتيح له الانتقال من السويس ليصبح مطربًا عاطفيًا منافسًا لمحمد عبد الوهاب، إلا أن الأقدار، كان لها رأى آخر، وصار فى تاريخنا صاحب الرصيد الأكبر من الضحكات التى لا تزال قادرة على أن تدغدغ مشاعرنا، وبعد أن حقق (سُمعة) النجاح أعاد لجدته الجنيهات المسروقة، ولم يتحايل فقط على أقرب الناس إليه، فعلها أيضا مع خادم الجامع، عندما لم يجد مكانا يأويه بالقاهرة، كل أقاربه رفضوا استضافته، فاحتمى بجامع السيدة زينب، ينام من بعد العشاء حتى فجر اليوم التالى، اكتشف خادم الجامع تلك الحيلة، وتنفيذا لقرار وزارة الأوقاف، كان يطرد الجميع من الجامع بعد صلاة العشاء، ولا يسمح لهم بالدخول، إلا مع صلاة الفجر، فقرر إسماعيل تغيير ساعته (البيولوجية) ينام فى الجامع فى مواعيد العمل الرسمية، أقصد مواقيت الصلاة الشرعية، من الفجر للعشاء، ويخرج بعدها هائما على وجهه بلا مأوى، إلا أنه كحد أدنى وفر ثمن المبيت فى (اللوكاندة).
اقرأ المزيد..
نبوية موسى، رائدة التعليم وأول من حمل من النساء شهادة (البكالوريا) الثانوية العامة، ارتدت نقابا وسرقت ختم أمها، منتحلة شخصيتها، ووقعت الأوراق التى تتيح لها استكمال تعليمها، كانت موافقة ولى الأمر شرطًا لا يمكن تجاوزه، بينما أهلها والمجتمع كان يرى أن البنت مكانها البيت حتى يحين وقت زواجها، صارت نبوية أيقونة مصرية وفتحت الباب للمرأة لانتزاع حقها فى التعليم، ما فعلته أمام القانون توصيفه تزوير فى أوراق رسمية، عقوبته السجن لمدة تصل عشر سنوات.
روى لى الموسيقار الكبير كمال الطويل أنه فى كل مرة يتقدم فيها عبد الحليم حافظ للجنة الاستماع بالإذاعة، وكانوا فقط ثلاثة أعضاء، ولا بديل عن الموافقة الجماعية، يتم رفضه، اكتشف الطويل أن أحد أعضاء اللجنة يحاول أن يساومه من أجل أن يوقع بالموافقة على صوت كان يراه لا يستحق، ولهذا كان يردها له، ويرفض اعتماد عبد الحليم، فقرر الطويل بعد عدة محاولات قبول المقايضة (سيب وأنا سيب)، وعندما سألت الأستاذ الطويل هل تعتبرها مخالفة؟، أجابنى فى النهاية الصوت الذى لم أقتنع به ووافقت على اعتماده مجبرا كنت موقنا أنه لن يكمل الطريق، وسوف يسقطه ملايين المستمعين برغم نجاحه بالإجماع فى اللجنة الثلاثية، بينما عبد الحليم كان بحاجة للحصول على الاعتماد الرسمى، ليبدأ مشواره مدعما بوثيقة من الإذاعة المصرية.
نقاء وشرعية الوسيلة تظل واحدة من القواعد التى لا يمكن الاستغناء عنها، حتى لو وجدنا بعض الاستثناءات، إذا فتحنا الباب لكل من يرى أنه الصواب لن نستطيع التقدم ولو خطوة واحدة للأمام، أول ما ستصطدم به هو سيل منهمر من غايات تبدو ظاهريًا نبيلة تبرر العديد من الوسائل الزائفة.
لو قلبت فى أوراق حياتك ستكتشف قطعًا حكايات مماثلة، تجاوزت فيها شرعية الوسيلة، ومن يقل لى لم يحدث ولا مرة، سأرد عليه (عينى فى عينك)!!.
التعليقات