(تِفرق كتير) عندما يجلس على الكرسى فنان وأيضا مثقف.. وهذا هو ما حدث مع يحيى الفخرانى، عضو مجلس الشيوخ فى لجنة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار، بعض من الفنانين الذين سبقوه للجلوس على هذا المقعد اعتبروا الأمر نوعا من التكريم، أشبه بمكافأة نهاية الخدمة، تقدمه لهم الدولة على عطائهم الإبداعى طوال عقود من الزمان.
وفى العادة، لا يرددون فى الاجتماعات سوى ما يعتقدون أنه رأى الدولة، رغم أن التجربة أكدت أن الكثير مما ينسبونه همسًا للدولة، أو بتعبيرهم الشائع «الأجهزة»، مجرد (فنكوش).
أشار الفخرانى بذكاء وفى حضور وزيرة الثقافة د. نيفين الكيلانى إلى أن 90 فى المائة من الانتقادات الموجهة للأعمال الفنية وراءها الإخوان، هم بذكاء يصدّرون لنا الطُعم بأن هذا هو رأى الناس، نبتلع الطُعم والسنارة ونردد آراءهم باعتبارها آراءنا. يجب أن نعترف بأنهم الأنشط والأكثر تنظيما فى التعامل مع الوسائط الاجتماعية، تخصصوا فى إحالة الحَبّة إلى قُبّة، إذا كان ذلك لصالحهم، لترويج هدفهم الأسمى وهو إقناعنا بأننا نعيش داخل جدران مجتمع مصمت منعزل عما يدور حوله فى العالم.
ومن الممكن لو تغيرت المصلحة أن نجد القبة قد صارت حبة لا تُرى حتى بالعين المجردة. هم يؤثرون على قراراتنا بحجة أنهم الأدرى بالتقاليد والعرف الاجتماعى، وأتصور أن سر تأييدهم للنداء الأخير لحسين فهمى للفنانات بضرورة مراعاة الزى (الملائم) فى حفل افتتاح مهرجان القاهرة القادم يدخل فى نفس الإطار، اعتقادهم أنها تعنى استجابة لرأيهم، تعبير (معقول) أو (ملائم) الذى أطلقه حسين على الملابس لا يمكن أن تضعه داخل إطار محدد، سيظل ما يراه حسين ملائما ومعقولا ليس هو المعقول أو الملائم الذى يرضيهم، حسين لم يقصد فى كلمته التدخل فى حرية الفنانة فى ارتداء ملابسها، هو فقط أراد ملابس تليق بالسهرة، وهو ما ينطبق أيضا على الرجال.
عند إلغاء أى نشاط فنى أو حفل ترفيهى، ألمح فورًا أصابعهم وهم يقدمون رسائل متوالية، كلها تنويعات على معنى واحد: الحفاظ على هوية المجتمع، والضرب بيد من حديد على أى خروج عما يعتبرونه قاعدة، حتى لو كان فتحة بنطلون لا تحلو لهم، وتبدأ بعدها ملحمة: أين الأخلاقيات؟ أين الرقابة؟، ثم فاصل من التباكى على سمعة مصر التى ضاعت بسبب بضعة سنتيمترات من الفستان فوق الركبة، أو لأن تلك الأغنية بها كلمة ليست موثقة فى قاموسهم المتوارث.
الرقيب فى مصر، لو حاولت أن تحلله (دى. إن. إيه)، ستجده لا يريد سوى أن يعرض هذا الفيلم أو تلك المسرحية دون شوشرة. ارتعاشة يد الرقيب هى الهدف، فهو يفكر ألف مرة قبل أن يوقع بالموافقة.. سوف يحركون بعدها مظاهرة افتراضية عن طريق (السوشيال ميديا) تتباكى على زمن الأخلاقيات الذى ولّى ولن يعود، وتزداد بعدها يد الرقيب ارتعاشًا، وهذا هو الهدف.
أول اعتقاد علينا تقنينه: ما تراه على (الكمبيوتر) و(المحمول) هو فقط الجزء عالى الصوت بين الناس، وليس كل الناس.
أراهن دائما أن مصر الحقيقية المرنة والمتسامحة هى الساكنة فى أعماق أغلبية المصريين، بينما مصر الصاخبة فى الواقع الافتراضى التى روّج لها الإخوان هى الوجه الزائف للوطن!!.
التعليقات