مرة واحدة قبل بضع سنوات التقيت هيفاء وهبى فى مطار روما، كنت عائدا من مهرجان (كان) عن طريق الخطوط الجوية الإيطالية وفى طريقى للقاهرة، وصادف أنها أيضا فى طريق عودتها من (كان) لبيروت، اللقاء (ترانزيت)، وجدت نظرة ترحاب تطل من عينيها وسلاما ممزوجا بدعوة لمواصلة الحوار، وبعد إنهاء الإجراءات، اقترحت هى أن نجلس فى كافتيريا الدرجة الأولى، ولم يكن لدينا متسع من الوقت لأن المسافة نحو 10 دقائق، فطلبت منها أن تقبل دعوتى على (كابيتشينو) فى كافتيريا على بعد خطوات داخل المطار، وتبادلنا حوارا سريعا اكتشفت أنها قارئة جيدة ومتابعة لكل ما يجرى، أخذنا أكثر من لقطة سيلفى أرسلتها لى تليفونيا، ما تبقى من الحوار فى الذاكرة أنها متصالحة مع الزمن وتدرك أن الجمال، مرحلة زمنية، وهى تفكر فى الغد بلا خوف، والصورة الذهنية الراسخة التى تصنفها باعتبارها واحدة من أجمل نساء العالم، لا تعنى أبدا أنك لن ترى فقط سوى جمالها، بعد قليل ستدرك أن لديها عقلا لا يخلو من جمال.
كانت هيفاء قد أثارت ضجة قبلها فى القاهرة بسبب فيلم (حلاوة روح) الذى دفع رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم محلب لعقد ندوة بمكتبه بعد أن كان قد أصدر قرارا بمصادرة الفيلم، كتبت وقتها أنه متعسف، بحجة جاهزة مخالفة للآداب العامة، ووقتها أطاحت الدولة بالرقيب الأسبق، د. أحمد عواض، وكان الفيلم قد أخضعه الرقيب للتصنيف العمرى، أى أنه طبق عليه القيود اللازمة، المفاجأة أن جزءا ممن شاركوا فى الحوار مع رئيس الوزراء بين الفنانين (نجوم ومخرجين ومنتجين) كانوا يقرأون بالضبط ما يعتقد أن الدولة تريده فيزدادون تشددا حتى عما تبيحه الدولة، وأعاد القضاء المصرى الفيلم لدار العرض، لأن عرضه لم يشكل أى مخالفة، ولم يمكث طويلا كما توقعت فى السينما، كانت المشكلة فى تواجد هيفاء وهبى وما يثيره عادة اسمها من ترقب لمشاهد ساخنة.
القاعدة فى علاقة أهل الغناء بالشاشة الكبيرة، عندما يحقق مطرب نجاحا جماهيريا تسند له أدوار البطولة هذا هو ما كان يحدث فى الماضى، صار الآن الاستثناء، نجاح المطرب لا يعنى بالضرورة أن الطريق ممهد أمامه للسينما، وتفسيرى أن أغنيات (الفيديو كليب) صارت تشكل بنسبة ما بديلا مكثفا عن الفيلم الغنائى، ولهذا لم يعد المنتج حريصا مثل الماضى على استقطاب المطرب للشاشة الفضية، هيفاء وهبى بين عدد محدود من المطربات راهنت عليهم السينما مبكرا، السؤال: لماذا يذهب الناس إلى فيلم بطولة هيفاء؟ مؤكد الدافع هو الصورة الذهنية التى تراكمت لديه من خلال أغانيها.
أتذكر أنها كانت الترشيح الأول لداود عبدالسيد لأكثر من فيلم مثل (مواطن ومخبر وحرامى) و(رسائل بحر)، ولم تكتمل التجربة، وأسند لها المخرج خالد يوسف دورا رئيسيا فى فيلم (دكان شحاتة)، وهناك العديد من الترشيحات الأخرى، لم تتحول إلى شريط سينمائى، لأسباب متعلقة أحيانا بالمغالاة فى الأجر، عند الاستعانة بالمطربة هناك طريقان إما أن تكون ليلى مراد أو شادية، وأنا هنا لا أقول إن هيفاء وجه آخر أو معادل موضوعى لشادية أو ليلى مراد، أتحدث فقط عن المنهج الفنى للاستعانة بنجومية المطرب، قطعا شادية تمتلك بنفس القدر الموهبتين الغناء والتمثيل، بينما ليلى مراد يتم استثمارها كليلى مراد سواء حملت الأفلام اسمها مثل (ليلى بنت الفقراء) و(ليلى بنت الأغنياء) و(ليلى بنت مدارس) أو لم تحمل الاسم (غزل البنات) نموذجا. كل هذه الأفلام بها شىء من ليلى كصورة ذهنية، حتى لو كانت مرة بنت أغنياء وأخرى فقراء، على عكس تماما ما حدث فى (أشباح أوروبا)، قدم المخرج السينمائى الجديد محمد حماقى وجها مغايرا للتوقع، هيفاء بنت البلد البلطجية التى تشارك مع شقيقيها أحمد الفيشاوى ومصطفى خاطر فى فرض سطوة على أهل الحى بموقف السيارات، يلتقطون رزقهم داخله من خلال (نصبة) شاى وقهوة، تشرف عليها هيفاء والعقدة الدرامية تبدأ عندما يكتشف الأشقاء الثلاثة أنهم ضعف هذا العدد، وأن هناك مغالطة فى الحساب لأن أمهم تنازلت بسبب الفقر عن ثلاثة من التوائم الذين أنجبتهم فأصبح لكل منهم شبيه توأم من نفس (البويضة) وبعد (لعبكة) درامية وصراع على صفقة فى إحدى الدول الأوروبية تنتهى الأحداث.
استثمار درامى خاطئ، هيفاء غير مؤهلة للأكشن، وقبل ذلك غير مصدقة، كما أن بنت البلد ليست محاكاة لصورة شاهدتها هيفاء فى أحد الأفلام لبنت البلد، تشعرك أنها أخذتها قبل لحظات من الأرشيف.
ما هى الحكمة فى الاستعانة بهيفاء فى هذا الفيلم، هل البيع باسمها هو الهدف، يصبح فى هذه الحالة لزاما عليها أن تفكر مرتين، لأنهم سوف يرشحونها فى أفلام قادمة لمجرد التسويق بالاسم وبعدها سيتم حرقها كورقة مطلوبة فى التوزيع.
لا يوجد مخرج يوجهها فى فن الأداء، وتأكد ذلك أيضا مع أحمد الفيشاوى ومصطفى خاطر، أداء أقرب للمحفوظات العامة، أما عباس أبوالحسن فهو لايزال داخل دائرة التنميط للشرير، ماذا بعد، هذا السؤال يجب أن يعثر أبوالحسن، فى أقرب وقت، على إجابته.
اختصار هيفاء فى جسد مثير خطأ شائع، لكن تصنيفه علميا (إيروتيك) لا يختفى هنا البعد الجنسى، قطعا لكن توظيفا له، وهى تفصيله علمية، لا يمكن اختصارها فى فقرة. إذا لم تدرك هيفاء أنها أخطأت الاختيار، و(أشباح أوروبا) هو أسوأ اختيار من الممكن أن تلعب بطولته!!.
التعليقات