لماذا كل هذا السخف الذى تابعته فى دار العرض حتى أصبحنا نترقب بكل شغف نزول تترات النهاية حتى ننفد بجلدنا من هذا المقلب الذى أطلقوا عليه (فضل ونعمة)؟ لا يوجد أى ابتكار فى المواقف ولا بناء الشخصيات، ولم يجد الممثلون سوى اللجوء إلى ما يعتقدون أنه كوميديا، استظراف يؤدى إلى مزيد من الاستظراف ونكتة بايخة تؤدى لا محالة إلى ما هو أبوخ منها، وإفيه (مضروب) من كثرة الاستخدام، ينقلنا إلى ما هو أسخف منه، حتى يصل الجميع إلى اكتشاف أن الحائط أمامهم ولا محيص سوى أن تصطدم به رؤوسهم.
قبل 12 عامًا لعبت هند صبرى بطولة المسلسل الكوميدى (عايزه أتجوز) إخراج رامى إمام، فأصبح من المسلسلات القادرة على أن تحيا فى الزمن، مفتاح النجاح هو الجدية الشديدة فى تناوله وفى أداء نجومه، أضحكنا وأنعشنا بكل تفاصيله من بناء درامى وتعبير بالكاميرا وتوظيف للموسيقى وأداء جاد جدًا يؤدى إلى تفجير الضحك، شاهدنا فريقًا فنيًا متميزًا قاده ببراعة رامى بفهم واضح فى توجيه ممثليه بأداء بلا أى ملمح للتصنع، ولهذا كان المسلسل فى كل مشاهده يُفضى بنعومة للضحك، حققت وقتها هند صبرى خطوات واسعة لتسكن قلوب الجمهور، بتقديمها شخصية الفتاة المصرية بنت البلد بخفة ظل تتحرك بانسياب، وأتصور أن هذا المسلسل بتوقيته 2010 بعد عامين فقط من هجمة شرسة قادتها أكثر من جهة ضد تواجد الفنان العربى على الخريطة بحجج متعددة لم تصمد طويلًا أمام انحياز المصريين لأى مبدع، بدون الحاجة إلى تدقيق النظر فى جواز السفر، أكد المسلسل أن تقمص الروح المصرية كما فعلت هند أبقى وأعمق من مجرد تقمص اللهجة.
هذه المرة، مع (فضل ونعمة) يبدو الفيلم وكأنه على مستوى الصياغة الدرامية، يحاكى سلسلة الفنان القدير محمد صبحى (يوميات ونيس) فى تبنيه دراما عائلية تربوية، ورغم عدم توافقى مع هذا المنهج المباشر فى رسائله إلا أننى من الممكن أن أتفهم طبيعة التعامل مع (ميديا) التليفزيون، وطبيعة التكوين الفكرى والثقافى لمحمد صبحى، كما أننا نتحدث عن عمل درامى عمره اقترب من 30 عامًا، كان من الممكن أن يتقبل المتفرج جرعات متعددة من وعظ وإرشاد، فى تلك الحقبة الزمنية، بدأت السلسلة عام 1994، أتصور بعد دخول (المحمول) فى كل تفاصيل الحياة الاجتماعية بات الآن من المستحيل أن نتعامل مع نفس الأفكار بمدلولها المباشر.
أشعر بأن ما كان يؤرق صُناع الفيلم هو كيف نملأ هذا الزمن السينمائى بأحداث يجد فيها المشاهد ما يستحق أن يطيل من أجله البقاء على مقعده؟ ثبات الموقف الدرامى حال دون تحقيق هذا الهدف، فأصبحت الدراما تتحرك لأعلى وأسفل فى نفس المكان (محلك سر)، إذن ما هو الشىء الخفى الذى دفع الكاتب الكوميدى أيمن وتار إلى تلك الورطة؟ الزوجان هند وماجد لديهما عربة طعام متنقلة هى مورد رزقهما فى الإنفاق على الأسرة المكونة من ثلاثة أبناء، ويأملان فى المكسب السريع عن طريق صناعة (شكشوكة) تقام لها مسابقة، تتآمر عليهما عصابة للاتجار بالمخدرات وتوهمهما بأنهم من الداخلية ويلعبون دورًا وطنيًا فى القبض على العصابة المزعومة. الاحتكاك بجهاز الشرطة حتمى، وقدم لنا السيناريو نموذجًا لصاحب عمارة اسمه المقدم ونعتقد أنه يحمل تلك الرتبة، بينما نكتشف مع الأحداث أنه مجرد اسم، على الجانب الآخر يأتى الضابط الحقيقى محمد ممدوح مع نهاية الحلقات.
حاول المخرج مع ماجد الكدوانى كسر الرتابة بأن يقدم لنا بين الحين والآخر ملابس كرنفالية يرتديها ماجد، كما أنه يضع دائمًا هند صبرى فى مواقف مليئة بالمبالغات فى الحركة والأداء لسرقة ضحكة أو قفشة دون جدوى.
أحيانًا يبحث الفنان عن دور مغاير لما تعود عليه الناس، ممكن أن يصبح هذا هو هدف هند، كانت تريد نقل المؤشر للكوميديا إلا أنها أساءت الاختيار، قطعًا الرغبة وحدها لا تكفى، خاصة مع ممثلة بموهبة هند، كان عليها إدراك أن الشخصية الدرامية فقيرة فى بنائها، كما أن الممثل القدير ماجد الكدوانى متعدد الأنغام، يعرف جيدًا أن الطريق لوجدان الجمهور هو الصدق، إلا أنه تورط فى قبول هذا الدور، نعم لم يتصنع فى الأداء الكوميدى مثل هند، حرص فى الصوت والحركة على الأداء الطبيعى وبنسبة كبيرة، ولكن خذله فى النهاية الدور، ولا أدرى كيف فاته إدراك أنه لا شىء فى هذا الفيلم يستحق أن يغادر من أجله بيته إلى الاستوديو.
ورغم الفقر الشديد فى تفجير الضحك، أعجبنى الممثل الجديد محمد رضوان وهو يلعب دور صاحب العمارة ضابط الشرطة المزيف، كان جادًا فى أدائه، أيضًا توقفت أمام إطلالة شريف الدسوقى، والفنان الذى يزداد رسوخًا محمد ممدوح.
المخرج رامى إمام، لو استبعدنا خصوصية فيلم (حسن ومرقص) لتصدر نجمين بحجم عادل إمام وعمر الشريف (الأفيش)، لايزال (غبى منه فيه) بطولة هانى رمزى ونيللى كريم هو أفضل أفلامه كرؤية إخراجية وحتى الآن لم يتجاوزه.
أنهى قبل أيام مهرجان الإسكندرية دورته رقم 38 والتى كانت الكوميديا شعارها، ووضع رئيس المهرجان، الناقد الأمير أباظة، الفيلم الكوميدى تحت المجهر، وفى المكانة التى يستحقها، واختار نحو 100 فيلم، واكتشفنا ونحن نستعيدها دررًا من إنجازات مخرجين كبار برعوا فيها بحجم نيازى مصطفى وفطين عبدالوهاب ومحمد عبدالعزيز وشريف عرفة، وستتأكد بعد المشاهدة أنهم جميعًا تعاملوا مع الشريط السينمائى بجدية، بينما رامى إمام مع بطليه هند صبرى وماجد الكدوانى رفعوا شعار (هيا بنا نضحك)، وجاءت المحصلة لا ضحك ولا يحزنون، ربما فقط يحزنون!!.
التعليقات