لم يبدد محمود حميدة طاقته فى إثبات ما لا يمكن إثباته، تاريخه على الشاشة الفضية قطعًا حافل بأدوار بطولة فى أفلام دخلت تاريخنا، إلا أنه ليس نجمًا للشباك، رغم أن بعض هذه الأفلام حققت إيرادات مؤثرة فى الشباك.
حميدة ممثل موهوب وحضوره لا غنى عنه على الشاشة وجاذب أيضًا للجمهور، إلا أن الناس لا تقطع من أجله التذكرة، لو تأملت الخريطة ستكتشف أن العديد من أصحاب المواهب يؤرقهم أنهم ليسوا نجومًا للشباك، ويبددون طاقتهم فى معارك خائبة، ومع الزمن يجدون أنفسهم خارج الرقعة.
حميدة يذكرك بمكانة، وليس أسلوب، أداء عادل أدهم، نادرا ما تصدر عادل أدهم الأفيش والتترات، إلا أن دوره مؤثر جدًا على الشاشة، وبعد نهاية الفيلم لا يمكن أن تنساه، إلا أن عادل أدهم فى زمن فريد شوقى، كانت الناس تقطع التذكرة من أجل ملك الترسو والبريمو (فريد)، العملاق محمود مرسى، عندما عرضت عليه نجوى فؤاد كمنتجة أن يلعب بطولة فيلم (حد السيف) حذرها قائلًا: (الفيلم لن يحقق إيرادات وأنها ستندم طوال حياتها على ضياع أموالها)، ورشح لها بدلًا منه فريد شوقى، فأصرت عليه وخسرت فلوسها.
لدينا أيضا نموذج الممثل العتويل الاستثنائى وهو ما يمكن أن يمثله بقوة محمود المليجى، فهو ليس أيضا نجما للشباك، النجومية قطعا (فريد شوقى) الذى كان يعترف بأن المليجى أستاذه، بينما رشدى أباظة لا يكتفى بالاعتراف العلنى، وعندما يرى المليجى فى الاستوديو ينحنى أمام الجميع مقبلا يده.
الفيلم لا يمكن أن يتكامل بدون المليجى، أهم أدواره، أو للدقة من أهمها (الأرض)، حل اسمه على (التترات) ثالثا بعد نجوى إبراهيم وعزت العلايلى.
حميدة ليس تنويعة من كل تلك النماذج، حتى لو كان به شىء منها، التماثل الوحيد المباشر هو أنهم جميعا لم يدخلوا فى معركة لإثبات نجومية الشباك أو تساءلوا لماذا يسبقنا فلان؟، (وفين الأمارة؟).
النجومية وميض يولد مع عدد نادر من البشر، وهكذا غنت سعاد حسنى وهى فى الرابعة من عمرها وكأنها تقرأ الزمن القادم (أنا سعاد أخت القمر / بين البنات حسنى اشتهر).
الرهان على تحقيق النجومية وأيضًا حجمها خارج عن إرادة البشر، لأنها منحة إلهية، كان فاروق الفيشاوى يقول عن عادل إمام (ربنا صرف له كتير)، قطعًا عادل اسم نادر التكرار فى قوة الجذب، عند عرض الفيلم الممتع (اضحك الصورة تطلع حلوة)، كان بجواره (صعيدى فى الجامعة الأمريكية)، ولا وجه للمقارنة فى الشباك، الذى شهد بفارق شاسع لصالح (صعيدى)، سألت كاتب الفيلم وحيد حامد، لو عادل إمام وافق على البطولة، هل كان سيحقق أرقاما أكبر من أحمد زكى؟، أجابنى أكيد لأن عادل دائرة جماهيريته أوسع بكثير، ولكن إبداع أحمد للدور أذهلنى.
حميدة راهن عليه العديد من المخرجين الكبار، ووجوده منح ثقلًا وعمقًا لأفلامهم، مرونته فى تقبل الخريطة الفنية بمثابة العمق الاستراتيجى، تمكن من بناء صرح فنى متعدد الطوابق.
هناك من النجوم من قرر أن يتحدى الأيام فقهرته الأيام، وهناك من خضع خضوعًا مطلقًا لها، وأيضًا قهرته الأيام، وهناك من تشابك معها بقدر، وتصالح معها بقدر، مثل محمود حميدة، فمنحته الأيام رسوخًا وأيضًا سنوات إبداعية قادمة!.
التعليقات