هل شعر أهل الإسكندرية بأن عروس البحر المتوسط تقيم مهرجانًا يمنح جائزة أيضًا اسمها (عروس البحر المتوسط)؟ إجابتى هى أبدًا ولا الهوا، مع الأسف الدولة رسميًّا ممثلة فى محافظ الإسكندرية لم تساهم ولو بوضع (بوستر) للمهرجان فى مدخل المدينة، أوعلى الشواطئ، لم يرحب المحافظ بضيوف المدينة، ولم يأت حتى نائب المحافظ، وهو أضعف الإيمان، وزيرة الثقافة د. نيفين الكيلانى أوضح مستشارها السينمائى ورئيس الرقابة د. خالد عبد الجليل أنها فى مهمة عمل رسمى، فلم تتمكن من حضور الافتتاح.
إنها دورة الكوميديا وهو اختيار موفق للناقد الصديق الأمير أباظة، إلا أنه كان ينبغى أن يصبح التكريم ليس فقط للسينما المصرية، ولكن لسينما البحر المتوسط حتى يتوافق مع البعد الجغرافى للمهرجان، قطعًا لمصر نصيبها المعتبر، إلا أنها لا تشغل كل (الكادر)، لا يزال هناك عزوف من أهل الإسكندرية عن التواجد فى الأفلام والندوات، وبديهى عندما لا يجد الناس أى حفاوة رسمية فلن يقبلوا.
نجومنا تصوروا أنهم سوف يشاركون كحد أدنى فى تكريم زميلهم محمود حميدة الذى تحمل الدورة اسمه إلا أنهم (لا حس ولا خبر).
حميدة مزيج من عقل يقظ وقلب دافئ، هذا هو مفتاحه وكلمة السر فى علاقته بالحياة. بالفن، واختيار حميدة يحسب للمهرجان، الذى استطاع أن يجد لنفسه مكانًا، فى زمن به كل هؤلاء النجوم عادل إمام وأحمد زكى ومحمود عبد العزيز ونور الشريف ومحمود ياسين وحسين فهمى وفاروق الفيشاوى، كان من الصعب بل المستحيل أن تقبل السينما نجمًا جديدًا، إلا أنه كان هدفا لكبار المخرجين أمثال محمد خان وسمير سيف وعاطف الطيب وخيرى بشارة وداود عبد السيد ويسرى نصرالله وطارق العريان وغيرهم، ثم تجده متألقًا على خريطة يوسف شاهين، ويشكل مع أسامة فوزى أقرب المخرجين إلى قلبه ثنائيًّا ناجحًا، وتلمحه أيضًا مع كاملة أبوذكرى وهالة خليل وأحمد فوزى صالح، وغيرهم. المرونة هى عنوانه، ولهذا لا يزال إحدى أهم الأوراق السينمائية فى التوزيع، لم يبدد طاقته مشترطًا مثلًا البطولة المطلقة، بل يتعامل فقط مع الدور باعتباره بطولة محمود حميدة، وافق أن يسبقه ع (الأفيش) عدد من نجوم هذا الجيل، حتى من لم تتأكد بعد نجوميتهم، لم يحرمهم من نيل هذا الشرف.
العقل والوجدان هما طريقه فى التقمص، حميدة حاضر دائمًا بأبيات شعر يرددها نقلًا عن أبيه الروحى فؤاد حداد، الإحساس الشاعرى جزء من فن أداء الممثل، هذا هو العمق الإيقاعى، وكما أن هناك شعرًا بالفصحى وزجلًا بالعامية، فأنا أرى أداء حميدة ينتمى أكثر إلى دنيا الزجل، فهو أحد أبناء قبيلة (بيرم) و(حداد) و(جاهين) و(نجم)!.
حميدة لم يناصب الزمن العداء، بل تعلم منه وهضم مفرداته وقدمها بأسلوبه، فعليًّا ينتمى لجيل الثمانينيات، نحو أربعة عقود من فن التمثيل كفيلة بأن تغير من إيقاع ونغمات فن الأداء، لأنه تنويعة حتمية على تغير إيقاع ومفردات الحياة، حميدة أتقن الزمن، فأتقن التمثيل.
يومًا ما كتبت عنه ولا تزال تلك قناعتى، فى زمن (الروشنة) تغلى الماء وفى لحظات تملأ الكوب بالنسكافيه، بينما فى زمن (المخمخة)، تبدأ بتحميص البن ثم طحنه، قبل أن يجد طريقه إلى الكنكة، ثم تضعه على نار (السبرتاية) الهادئة لينضج «وحدة وحدة»، حميدة لا يزال حريصًا على أن يشرب فنجان القهوة (بن محوج)، وتصالح مع من يرتشفون بجواره (مج النسكافيه)، لا يزال قادرًا على (المخمخة) فى زمن (الروشنة)!.
التعليقات