بالأمس قمت بتغيير شاشة المحمول الزجاجية و"الكَفَر" الخارجي البلاستيكي بعد مدة من الاستخدام. رغم أن المحمول عمره أكثر من عام ويستخدم يوميًا، لكنه تحول كأنه جديد برونق مبهج.
استوقفني بشدة اعتيادي النِعم. كنت بدأت أشعر أنه قد طاله القِدَم، لكن ذلك الشعور قد تغير بالأمس كلية.
أصابتني تلك الغِبْطَة التي شعرت بها يوم شرائي للتليفون منذ عام، تلك البهجة التي خفتت تدريجيًا، زاحمها تألق من نوع مختلف.
أيقنت لحظتها أن قيمة النِعَم تتوقف على نظرتك إليها وتقييمك لحجم السعادة التي ستسمح لها أنت شخصيًا بأن تتخللك من خلال تعظيم الرضا بداخلك.
مزاولة التمتع بالنعم فيه كل الشكر لله. قيّد النِعَم حاضرة في عقلك يدوم بقاؤها.
منذ برهة من الزمان كان لي أربعة أزواج من الطيور أربيهم في ما يسمى "بالسلاكة". هي أقفاص رأسية يعيش فيها الطيور بجوار بعضهم البعض دون تداخل، لا يفصل بينهم سوى وعاء بلاستيكي لجمع الفضلات يحجب رؤيتهم لبعضهم البعض.
وقت التنظيف، كان هو وقت إزالة تلك الفواصل. هنا كان يأتي الإنبهار!
كل ذكر من ذكور الطيور كان ينظر لأنثى جاره وفي نفس الوقت يضرب أنثاه بعنف حتى لا تنظر هي بدورها إلى جارها. في مشهد كيدي مذهل قمت بتصويره بالفيديو، تجلت كل قيم ومتاع وآثام الحياة، وكذلك تضادها.
كانت تلك اللحظات مذهلة بحق!! لم تترك هذه المشاهد ذهني إلى يومنا هذا، رغم أنه قدر مر عليها ما يقرب من عشر سنوات.
فكرة أن حيوان غير عاقل تصدر منه صفات وضيعة، متقبلة عندي. ما لا يحتمل أن يكون ذلك سلوكًا لبعض البشر الذي لا يرى ولا يلتقط سوى ما عند الغير.
هناك بعض البشر عندما يضطلع إلى المرآة يحب أن يرى وجه أخيه. هناك من لا يكتفي بنفسه وبما لديه ويفضل النظر إلى ما في جعبة الآخرين.
يقول العرب "الجحود بالنعمة لؤم، ومصاحبة البطر شؤم"، ويقال أيضاً "كفران النعمة طريق زوالها، وشكرانها طريق دوامها".
نعمك ثلاث، نعمة حاضرة تعرفها ونعمة تنتظرها وترتجيها، وثالثة ترفل فيها ولا تشعر بها.
ما تتجاهله عن عمد من تلك النِعَم هو ما يستحيل لنقمة.
وهل هناك من يتجاهل نعم الله؟ كيف؟
عندما تنساها ولا تتفكر فيها وتشعر أنها حقك المكتسب في الحياة.
يا صديقي نحن لا نستحق سوى أقل القليل، إن ما يزيد عن ذلك هو من فضل الله على أرواح تتناسى كيف تشكر.
أقول دومًا أن الكُره كَبيرَة الحب.
الثرثار .. إنسان لكنه فقد نعمة السمع، أما الضرير فهو من فقد نعمة الرضا.
أؤمن أن ثلاث أرباع السعادة في الرضا والربع المتبقي في الزهد.
هناك مثل يوناني يقول: "حديثو النعمة تظل أحشائهم مملوءة فقرًا".
لا تكن لنِعَمك كخضراءَ الدِّمَنِ، فبركة النعمة في مزاحمتها بالشكر.
امتلىء بنفسك ونعمك ومدخلات حياتك، لعمرك هي تكفيك وتفيض؛ فقط عندما تسمح للرضا أن ينساب في روحك فتمتلئ بالسعادة.
تجاوز كل ما فقدته بأريحية الماء المناسب من جدول هادئ. خرير ذلك الماء هو رضاك وبقائك الآمن في الدنيا.
لن يأتيك بشير العوض ما دمت تتفكر في مرارة الصبر وأوجاعه. ارتقب ريح الجزاء إذا زاحمتك رياح البلاء. حدسك الداخلي سينبئك دائمًا بموعد الفرج. وكما كرهت في الدنيا بلاياك، كن ممتنًا بقوة لحضور العافية.
حتى الراسب لا يزال يستحق فرصة ثانية.
لا تبحر في فوضى عقلك، رتب وجدانك واجعل هنالك مسافة آمنة تحميك من شوارد آثام الغيرة وثقوب التفكير.
سترزق بقدر قلبك فلا تنتقصن رزقك، أما فيما يتعلَّق بما حُرمت منه… فلْتزهدن.
العطر المقلد لا يدوم طويلا وإن أعجبتك رائحته. فقط تذكر أنه حين تتكَون في قلبك مساحة خضراء سيمكث فيها أحدهم.
أنا إبنة الانتظار لقدر أحب أن يجاورني، فللحياة وجه آخر مُستحق لن أدركه سوى بالرضا.
التعليقات